وقد تقدَّم ذِكرُنا أنَّ السُّنَّةَ المُجْمَعَ عليها: الجَمْعُ بين الصَّلاتينِ: الظُّهرِ والعصرِ، يومَ عَرَفةَ مع الإمام.
واختلفَ الفُقهاءُ في مَن فاتتهُ الصَّلاةُ يومَ عَرَفةَ معَ الإمام: هل لهُ أن يَجْمعَ بينَهُما أم لا؟
فقال مالكٌ (١): لهُ أن يَجمَعَ بينَ الظُّهرِ والعصرِ إذا فاتهُ ذلك معَ الإمام، وكذلك المغرِبُ والعِشاءُ يَجمَعُ (٢) بينَهُما بالمُزدلِفة. قال: فإنِ احتُبِس إنسانٌ دُونَ المُزدلِفةِ لموضِع عُذْر، جَمَعَ بينَهُما أيضًا قبلَ أن يأتيَ المُزدلِفة (٣)، ولا يجمَعُ بينَهُما حتّى يغيبَ الشَّفق.
وقال الثَّوريُّ (٤): صَلِّ معَ الإمام بعَرَفاتٍ (٥) الصَّلاتينِ إنِ استطعتَ، وإن صَلَّيتَ في رَحْلِكَ فصلِّ كلَّ صلاةٍ لوَقْتِها.
وكذلك قال أبو حنيفة (٦): لا يَجمَعُ بينَهُما إلّا مَن صلّاهُما معَ الإمام، وأمّا مَن صلَّى وحدَهُ، فلا يُصلِّي كلَّ صلاةٍ منهُما إلّا لوقتِها، وهُو قولُ إبراهيم.
وقال الشّافِعيُّ، وأبو يُوسُفَ ومحمدٌ، وأبو ثورٍ، وأحمدُ، وإسحاقُ: جائزٌ أن يجمعَ بينَهُما من المُسافِرينَ مَن صلَّى معَ الإمام، ومَن صلَّى وحدَهُ إذا كان مُسافِرًا (٧).
وعِلَّتُهُم في ذلك: أنَّ جَمْعَ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إنَّما كان من أجلِ السَّفرِ، ولكلِّ مُسافرٍ الجمعُ بينَهُما لذلك. وكان عبدُ الله بن عُمر يَجمَعُ بينَهُما (٨)، وهُو قولُ عطاءٍ.
(١) المدونة ١/ ٤٣٢، والمقدمات الممهدات ١/ ١٨٨، والاستذكار ٤/ ٣٢٥. (٢) من قوله: "يجمع بين" إلى هنا سقط من ر ١، ض، وهو قفز نظر. (٣) في م: "بالمزدلفة". (٤) مختصر اختلاف العلماء ١/ ٣٢٦، والاستذكار ٤/ ٣٢٦. (٥) قوله: "بعرفات" لم يرد في ر ١. (٦) هو في مختصر اختلاف العلماء ١/ ٣٢٦، والاستذكار ٤/ ٣٢٦. (٧) الاستذكار ٤/ ٣٢٦. (٨) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (١٤٢٣٤).