قال أبو عُمر: لهذا الحديث، واللَّهُ أعلم، ورِوايةِ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ له، أمرَ في خلافتِه أن يُجعلَ بُنيانُ قبرِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- محُدَّدًا برُكْنٍ واحد؛ لئلَّا يُسْتَقْبَلَ القبرُ فيُصَلَّى إليه.
وأخبرنا عُبيدُ بنُ محمد، قال: حدَّثنا عبدُ اللَّه، قال: حدَّثني عيسى، قال: حدَّثنا ابنُ سَنْجَرَ، قال: حدَّثنا ابنُ نُمير، قال: حدَّثنا هشامُ بنُ عُروة، عن أبيه، عن عائشة، أنَّ نساءَ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تذاكَرْنَ في مرضِه كَنِيسَةً رَأَينَها بأرضِ الحَبَشَةِ، وذَكَرْنَ من حُسنِها وتصاويرِها، وكانت أُمُّ سلمةَ وأمُّ حبيبةَ قد أتَتا أرضَ الحَبَشَة، فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أولئكَ قومٌ إذا مات الرَّجلُ الصالِحُ عندَهم بنَوْا على قبرِه مسجدًا ثم صوَّروا فيه تلكَ الصُّوَرَ، فأولئكَ شرارُ الخلقِ عندَ اللَّه"(١).
قال أبو عُمر: هذا يُحرِّمُ على المسلمين أن يتَّخِذوا قُبورَ الأنبياءِ والعلماءِ والصالحين مساجدَ. وقد احتجَّ مَنْ لم يرَ الصلاةَ في المقبُرةِ ولم يُجِزْها بهذا الحديث، وبقولِه:"إنَّ شرارَ الناسِ الذين يتخذون القبورَ مساجدَ"(٢). وبقولِه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صلُّوا في بيُوتِكم، ولا تَجعَلْوها قُبورًا"(٣).
وهذه الآثارُ قد عارَضها (٤) قولُه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "جُعِلت ليَ الأرضُ مسجدًا
(١) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٢/ ٢٣٩ عن عبد اللَّه بن نُمير الهمْدانيّ، به. وأخرجه أحمد في المسند ٤٠/ ٢٦٩ (٢٤٢٥٢)، والبخاري (٤٢٧) و (١٣٤١) و (٣٨٧٣)، ومسلم (٥٢٨) (١٦)، والنسائي في المجتبى (٧٠٤)، وفي الكبرى ١/ ٣٩٠ (٧٨٥) من طريق هشام بن عروة، به. (٢) سيأتي بإسناد المصنِّف مع تخريجه. (٣) أخرجه أحمد في المسند ٨/ ١٠٤ - ١٠٥ (٤٥١١)، والبخاري (١١٨٧)، ومسلم (٧٧٧) (٢٠٩) من طريق أيوب السختياني، عن نافع مولى عبد اللَّه بن عمر، عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما. ولفظ البخاري: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبورًا". (٤) أشار ناسخ الأصل في الحاشية أنه في نسخة أخرى: "يعارضها".