كان الشيطانُ يلعبُ بك؟ فقال له الرجلُ: فإن لم يكفني، فإني رجلٌ كما ترَى عظيمٌ. فقال له سعيدٌ: ثلاثةُ أمدادٍ. فقال: إن ثلاثةَ أمدادِ قليلٌ. فقال له سعيدٌ: فصاعٌ. قال عبدُ الرحمن: وقال لي سعيدٌ: إن لي لَرَكْوَةً - أو قدحًا - ما يسَعُ إلا نصفَ المُدِّ ونحوَه، وإني لأتوضأُ به، وربما فضَل منه فضلٌ.
قال عبدُ الرحمنِ: فذكَرتُ هذا الحديث الذي سمِعتُ من سعيدِ بنِ المسيِّبِ لسليمانَ بنِ يسارٍ، فقال سليمانُ بنُ يسارٍ: وأنا يكفِيني مثلُ ذلك.
قال عبدُ الرحمن: فذكَرتُ ذلك لأبي عُبيدةَ بنِ محمدِ بن عمارِ بنِ ياسرٍ. فقال أبو عُبيدةَ: هكذا سمِعنا عن أصحابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال الأثرم (١): وحدَّثنا أبو حُذيفةَ، قال: حدَّثنا عكرمةُ بنُ عمارٍ، قال: كنتُ معَ القاسم بنِ محمدٍ، فدعَا بوَضوءٍ، فأُتيَ بقَدرِ نصفِ مُدٍّ وزيادةِ قليل، فتوضَّأ به.
قال (٢): وسألتُ أبا عبدِ الله - يعني أحمدَ بنَ حنبلٍ -: أيُجزِئُ في الوُضوءِ مُدٌّ؟ قال: نعم، إذا أحسَن أن يتوضأ به. قلتُ: فإن الناسَ في الأسفارِ ربما ضاق عليهم الماءُ، أفيُجزئُ الرجلَ أن يتوضأ بأقلَّ من المدِّ؟ قال: إذا أحسَن أن يتوضأ به فإنه يُجزئُه. ثم قال أبو عبدِ الله: لا يمسَحُ، إنما هو الغَسلُ، كما (٣) قال اللهُ تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ}[المائدة: ٦]. فإنما هو الغَسلُ، ليس هو المسحَ، فإذا أمكَنه أن يغسِلَ به غسلًا، وإن كان مُدًّا أو أقلَّ أجزأه.
قال أبو عُمر: على هذا جماعةُ العلماءِ من أهلِ الفقهِ والأثرِ بالحجازِ والعراقِ، ولا يُخالِفُ في هذا إلا مُبتدِعٌ ضالٌّ، وبالله التوفيقُ.
(١) في سننه برقم (٨٩) بنحوه. وأبو حذيفة شيخه: هو موسى بن مسعود النَّهديّ. (٢) في سننه برقم (٩٠)، وينظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال ١/ ٣٠٣. (٣) شبه الجملة لم يرد في م.