وقد قال بعض أهلِ العلم بالقرآن واللغة: إن الواوَ في قوله عزَّ وجلَّ: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}[الزمر: ٧٣]، فذكَر ذلك بالواو، وقال في جهنَّم:{وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}[الزمر: ٧٣]، بلا واو. قال: فالواو في ذِكْرِ الجنَّة هي واوُ الثمانية؛ لأنَّ للجنَّة ثمانيةَ أبوابٍ، فمن هناك ذُكِرَت الواوُ في ذلك. وواوُ الثمانيةِ عندَهم معروفةٌ (١)، ومن ذلك قولُ الله عزَّ وجلَّ:{التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[التوبة: ١١٢]، فأدخَل الواوَ في الصفةِ الثامنةِ دونَ غيرها. ومن ذلك قوله عزَّ وجلَّ:{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا}[التحريم: ٥]. فأدخل الواوَ في الصفةِ الثامنة، فسمَّوا هذه الواوَ واوَ الثمانية، ومنها عندهم قولُ الله عزَّ وجلَّ:{سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ}[الكهف: ٢٢]، وما قالوا من ذلك عندي حسنٌ، وقد كان بعضهم يقول: إن الواوَ في قوله: {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا}[التحريم: ٥]، ليست واوَ الثمانية، ولا وجهَ لما أُنْكِرَ من ذلك (٢)، واللّه أعلم.
(١) وممن قال بذلك ابن خالويه وأبو منصور الثعالبي والحريري صاحب المقامات. انظر: المسالك في شرح موطأ مالك لابن العربي ٤/ ٢٤٦، وفقه اللغة للثعالبي ص ٢٤٨، ودرّة الغواص في أوهام الخواص للحريري ص ٣١. وردَّ ذلك ابنُ هشام في مغني اللبيب في النوع التاسع من أنواع الواو. (٢) كذا استحسن المصنّف هنا القول بواو الثمانية، ثم تراجع عن استحسانه لذلك في الاستذكار ١٤/ (٢٠٥٥١ - ٢٠٥٥٥) حيث قال: وذكروا من الشواهد على ما ذهبوا إليه من ذلك (يعني في إثبات واو الثمانية) ما لا تقوم به حجة.