ورخَّص في ذلك جماعةٌ؛ منهم: أبو هريرةَ (١) وغيرُه (٢). والأصلُ في هذا البابِ قولُه -صلى الله عليه وسلم-: "إذا ماتَتْ فآذِنوني بها"، ونَعَى النَّجاشيَّ للناس.
وذكر عبدُ الرَّزَّاق (٣)، عن معمرٍ، عن أيُّوبَ، عن أنسِ بنِ مالكٍ، قال: نعَى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابَ مُؤتةَ على المنبرِ رجلًا رجلًا، بدأ بزيدِ بنِ حارثةَ، ثم جعفرِ بنِ أبي طالبٍ، ثم عبدِ الله بنِ رواحةَ، قال:"فأخَذ اللِّواءَ خالدُ بنُ الوليدِ، وهو سيفٌ من سُيوفِ الله".
قال أبو عمر: شهودُ الجنائزِ أجرٌ وتقوى وبرٌّ، والإذنُ بها تعاونٌ على البرِّ والتَّقوَى، وإدخالُ الأجرِ على الشَّاهدِ وعلى المتوفَّى، ألا ترَى إلى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مُسلم يموتُ فيصلِّي عليه أُمَّةٌ من المسلمينَ يبلُغون أن يكونوا مئةً، يستغفِرونَ له، إلّا شُفِّعوا فيه". رواه حمَّادُ بنُ زيدٍ، عن أيُّوبَ، عن أبي قلابةَ، عن عبدِ الله بنِ يزيدَ -وكان أخا عائشةَ في الرَّضاعةِ- عن عائشةَ، عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- (٤). ومعلومٌ أنَّ هذا العددَ ومثلَه لا يجتمِعونَ لشهودِ جنازةٍ إلّا أن يُؤذَنوا لها وبالله التوفيق.
وفيه: أنَّ عصيانَ المرء مَن أمَره إذا أرادَ بعصيانِه بِرَّه وتعظيمَه، لا يُعدُّ عليه ذنبًا.
وفيه: أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكنْ يَعِزُّ عليه أنْ يُعصَى إذا لم تُنتهَكْ لله حُرمةٌ
(١) المصنَّف لابن أبي شيبة (١١٣٣١). (٢) وعليٍّ وسهل بن حُنيف كما في المصنَّف لابن أبي شيبة (١١٣٣٤) و (١١٣٣٥). (٣) عبد الرزاق في المصنَّف ٣/ ٣٩٠ (٦٠٥٧)، ومن طريقه أخرجه ابن الأعرابي في معجمه (١٤٠٣)، والطبراني في الكبير ٤/ ١٠٣ (٣٨٠٠)، والحاكم في المستدرك ٣/ ٢٩٨. (٤) أخرجه أحمد في المسند ٢١/ ٣١٥ (١٣٨٠٤) و ٤٠/ ٤١ (٢٤٠٣٨)، ومسلم (٩٤٧)، والترمذي (١٠٢٩)، والنسائي في المجتبى (١٩٩١) و (١٩٩٢)، وفي الكبرى ٢/ ٤٥٠ (٢١٢٩) و (٢١٣٠) من طرقٍ عن أيوب السختياني، به. وأبو قلابة: هو عبد الله بن زيد الجَرْميّ.