قالوا: لا يا رسولَ الله، إلّا أنَّ عامِرَ بنَ ربيعةَ قال له كذا وكذا. فدَعَا عامِرًا، فقال:"سبحانَ الله! علامَ يقتُلُ أحَدُكم أخاه؟ إذا رأى منه شيئًا يُعْجِبُه، فلْيَدْعُ له بالبرَكَةِ". قال: ثم أمَرَه فغَسَل وجْهَه، وظهرَ عَقِبَيه، ومِرْفَقَيْه، وغَسَل صدرَه، وداخِلَةَ إزَارِه، ورُكْبَتَيه، وأطرافَ قدَمَيْه؛ ظاهِرَهما، في الإناء، ثم أمَرَه فصبَّ على رأسِه وكفَأ الإناءَ مِن خلفِه. قال: وأمَرَه فحَسَا منه حَسَوَاتٍ. قال: فقام فراح مع الرَّكْبِ. قال جعفرُ بنُ بَرْقَانَ للزُّهريِّ: ما كُنَّا نَعُدُّ هذا حقًّا. قال: بل هي السُّنةُ (١).
قال أبو عمر: أمَّا غَرِيبُ هذا الحديثِ، فالمُخْبأةُ مَهْمُوزٌ مِن: خبأتُ الشيءَ: إذا سَتَرْتَه، وهي المُخدَّرةُ المَكْنُونةُ التي لا تراها العُيونُ، ولا تَبْرزُ للشمسِ فتُغيِّرها، يقولُ: إنَّ جِلْدَ سهلٍ كجلدِ الجاريةِ المُخدَّرة إعْجابًا بحُسْنِه، قال عبدُ الله بنُ قيسِ الرُّقيَّاتِ (٢):
ذكَّرَتْنِي المخبآتِ لدى الحِجْرِ ... يُنازِعْنَني سُجُوفَ الحِجَالِ (٣)
وقال إبراهيمُ بنُ هَرْمَة:
يا لَكِ مِن خُلَّةِ مُبَاعِدَةٍ ... تكْتُمُ أسْرارَها وتخبؤُها
ولُبِطَ: صُرع وسَقَط، تقولُ منه: لُبِطَ به يُلْبَطُ لبْطًا، فهو مَلْبُوطٌ، وقال ابنُ
(١) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف ١١/ ١٤ (١١٧٦٦)، والنسائي في الكبرى ٩/ ٨٨ (٩٩٦٦)، والطبراني في الكبير ٦/ ٧٩ (٥٥٧٤)، والبيهقي في الكبرى ٩/ ٣٥١ (٢٠١٠٤)، وفي الشعب ٧/ ٥٢٧ (١١٢٢٣). (٢) ديوانه ص ١١٢، وفي المطبوع منه: "المخنثات" بدل: "المخبآت". (٣) قوله: "سُجوف الحجال" سُجوف: جمع سَجْف: وهو السِّتر. والحجال: جمع حَجَل: وهو القُبَّة. (اللسان مادتي "سجف" و"حجل").