يُصل الصلاةَ حتى يدخُلَ وقتُ الأُخرى" (١). وقد قام رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- حينَ كسَفَتِ الشَّمسُ إلى الصلاةِ فزِعًا يجُرُّ ثَوبَه. رواه أبو بَكْرَةَ وغيرُه (٢). وذلك خوفٌ لربِّه، وشفقةٌ من قيام الساعةِ.
وأما خروجُه -صلى الله عليه وسلم- مِن ذلك الوادي وتركُه الصلاةَ فيه، فاختلَف العلماءُ في ذلك: فذهَب أكثرُ أهلِ الحجازِ، وجماعةٌ مِن أهلِ العراقِ، إلى أنَّ العلةَ فيه ما بيَّنه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بقولِه: "إنَّ هذا وادٍ به شيطانٌ" (٣). ألَا تَرى إلى قولِه عليه السَّلامُ: "إنَّ الشيطانَ أتى بلالًا فلم يزلْ يُهدِّئُه كما يُهدَّأُ الصبيُّ"؟ فأمرَهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بالركوبِ والإسراعِ والخروجِ من ذلك الوادي؛ لأنه وادٍ به شيطانٌ، تشاؤُمًا بذلك الوادي، أو لِمَا شاءَ اللهُ ممَّا هو أعلمُ به. وقد رُويَ أنَّه قال في هذا الحديثِ: "اخرُجوا عن هذا الموضعِ الذي أصابَتكم فيه الغفلةُ". ذكَره معمَرٌ، عن الزُّهريِّ في حديثه (٤). وَيحتمِلُ أنْ يكونَ مِن بابِ نهيِه عن الصلاةِ في مَعاطنِ الإبلِ، وقولِه:
(١) سلف تخريجه. (٢) أخرجه أحمد في المسند ٣٤/ ٣٠ (٢٠٣٩٠)، والبخاري (١٠٤٠) من رواية الحسن البصري عن أبي بكرة. وسيأتي في سياق شرحه للحديث الثامن من أحاديث ابن شهاب عن ابن المسيب. (٣) ينظر: المقدّمات الممهدات، لأبي الوليد بن رشد ١/ ٢٠٢. (٤) أخرجه عبد الرزاق في المصنف ١/ ٥٨٧ (٢٢٣٧) عن معمر، به، ووقع عنده بلفظ: فبادروا رواحِلَهم، وتنحَّوْا عن المكان الذي أصابَتْهم فيه الغفلةُ. وهو عند الطحاوي في شرح مشكل الآثار ١٠/ ١٥٤ (٣٩٨٨)، وابن مندة في التوحيد (١٣٦)، والبيهقي في الكبرى ١/ ٤٠٣ (١٩٦٩) من طرقٍ عن موسى بن إسماعيل أبي سلمة التَّبوذكيّ، عن أبان العطار، عن معمر، به. وهو عند الطحاوي بلفظ: "تحوَّلوا عن هذا المكان الذي أصابتكم فيه الغَفْلةُ"، ولفظ ابن مندة "ارتفعوا عن هذا المكان"، وأمّا لفظ البيهقي فهو: "تحوَّلوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة"، وسيأتي بإسناد المصنف من طريق عبد الرزاق في سياق شرحه للحديث الثامن من أحاديث ابن شهاب عن ابن المسيب مع مزيد كلام عليه.