لها نُطقٌ وقالت، لكانَ هذا قولَها وكلامَها، وكذلك القُبورُ، لو كان لها قولٌ في الحقيقةِ لكان هكذا. ومثلُ هذا مما أنشَدوا في هذا قولُ القائلِ:
قد قالتِ الأنساعُ للبطنِ الْحَقِ (١)
وقول الآخر:
امتلأ الحوضُ وقال قَطْنِي (٢)
وهو كثيرٌ، ومعناه كلُّه ما ذكَرناه. فمَن حمَل قولَ النارِ وشكواها على هذا، احتجَّ بما وصَفنا، ومن حمَل ذلك على الحقيقةِ، قال: جائزٌ أن يُنطِقها اللهُ كما تنطِق الأيدي والجُلودُ والأرجلُ يومَ القيامةِ. وهو الظاهرُ من قوله الله عزَّ وجلَّ:{يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}[ق: ٣٠] ومن قوله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}[الإسراء: ٤٤]. و {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ}[النمل: ١٨]. وقال في قوله عزَّ وجلَّ:{تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ}[الملك: ٨]. أي: تتقطَّعُ عليهم غيظًا (٣)، كما تقولُ: فلان يتَّقدُ عليكَ غيظًا. وقال عزَّ وجلَّ:{إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا}[الفرقان: ١٢]، فأضاف إليها الرُّؤيةَ والتَّغيُّظَ إضافةً حقيقيةً. وكذلك كلُّ ما في القرآنِ مثلُ ذلك. واحتجّوا بقوله الله عزَّ وجلَّ:{يَقُصُّ الْحَقَّ}[الأنعام: ٥٧].
(١) هذا الرجز لأبي النجم العجلي كما في أساس البلاغة للزمخشري ١/ ٢١٨، وهو في تهذيب اللغة للأزهري ٤/ ٤٣، والمحكم لابن سيده ٤/ ٣٧، وخزانة الأدب للبغدادي ٦/ ١٨٨. والأنساع: جمع نسع، وهو سير مضفور تشد به الرجال. (٢) هذا الرجز في العين للخليل بن أحمد ٥/ ١٤، وتهذيب اللغة للأزهري ٨/ ٢١٦، والكامل في اللغة والأدب للمبرِّد ٢/ ٧٠، وأمالي ابن الشجري ١/ ٣١٣ دون عزو لقائل معيّن. (٣) في د ١: "تغيظًا".