وفيه أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يكنْ يَعلَمُ من الغَيْبِ إلَّا ما عَلَّمَه اللهُ؛ لقولِه:"ما لَكِ؟ لَعَلَّكِ نَفِسْتِ".
وقولُه:"لعلَّكِ نَفِسْتِ". يقولُ: لعَلَّكِ أُصِبْتِ بالدَّم؛ يعْني الحَيْضَةَ. والنَّفْسُ: الدمُ، ألا ترَى إلى قولِ إبراهيمَ النَّخَعيِّ، وهو عَرَبيٌّ فَصِيحٌ: كلُّ ما ليس له نَفْسٌ سائلةٌ يَموتُ في الماءِ لا يُفسدُه (١)؛ يَعْنِي دَمًا سائلًا.
وفيه أنَّ الحائضَ يجوزُ أن يُباشَرَ منها ما فوقَ الإزار؛ لقوله:"ثم عُودي إلى مَضجعِكِ". ومعلومٌ أنَّها إذا عادَتْ إليه في ثَوْبٍ واحِدٍ معه أنَّه يُباشِرُها، فإذا كان ذلك كذلك، كان هذا الحديثُ يُفسِّرُ قولَ الله عزَّ وجلَّ:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}[البقرة: ٢٢٢]؛ لأَنَّه يَحتَمِلُ قولُه:{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ}. أي: لا تكونوا مَعَهُنَّ في البُيُوتِ. ويَحْتَمِلُ: اعْتَزِلُوا وَطْئَهنَّ لا غيرُ. فأتَتِ السُّنَّة مُبَيِّنَةً مُرادَ الله عزَّ وجَلَّ من قولِه ذلك.
أخبَرنا أبو محمدٍ عبدُ الله بنُ محمدِ بن يحيَي، قال: حَدَّثَنَا محمدُ بنُ بكرٍ، قال (٢): حَدَّثَنَا أبو داودَ، قال: حَدَّثَنَا موسَى بنُ إسماعيلَ، قال: حَدَّثَنَا حمَّادٌ، قال: حَدَّثَنَا ثابتٌ البُنانيُّ، عن أنسِ بن مالكٍ، أنَّ اليهودَ كانت إذا حاضَتْ منهم امرأةٌ أخرجُوها من البيت، ولم يُؤاكِلُوها، ولم يُشارِبُوها، ولم يُجامِعُوها في البَيْتِ، فسُئِلَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك، فأنزَل اللهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ
(١) أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلّام في الطّهور (١٩٠)، والدارقطني في سننه (٦٧)، والبيهقي في الكبرى ١/ ٢٥٣ (١٢٣٩) من طريق مغيرة بن مقسم الضّبيّ، عنه، به. (٢) أخرجه البيهقي في الكبرى ١/ ٣١٣ (١٥٥٧) من طريق محمد بن بكر، أبي بكر بن داسة، به. وأخرجه أبو داود (٢٥٨) و (٢١٦٥) عن موسى بن إسماعيل المِنْقريّ، أبو سلمة التَّبوذكيّ، به. وهو عند الطحاوي في أحكام القرآن (١٤٥)، والبغويّ في شرح السُّنة ٢/ ١٢٥ (٣١٤) من طريقين عن حمّاد بن سلمة، به. وإسناده صحيح.