وعلَّلوا حديثَ جابرٍ (١) بأنَّه يحتمِلُ أنْ يكونَ على النَّدبِ، وأنَّ مَطَرًا الورَّاقَ قد خَالَفه غيرُه فيه، فروَاه عن عطاءٍ، عن جابرِ بنِ عبدِ الله، قال: كان لرجالٍ منا فُضولُ أرَضِينَ على عهدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا يُؤاجِرُونَها على النصفِ والثلُثِ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن كانت له أرضٌ فليَزْرعْها، أو ليَمْنحْها أخاه، فإن أبَى فلْيُمسِكْ"(٢). فقالوا: فقد تبيَّن بهذا أنَّ النهيَ إنّما خرَج على المُزارعةِ والمُخابرةِ، وذلك كِراءُ الأرضِ ببعضِ ما تُخرِجُه. وكذلك روَى أبو الزبير، عن جابر، قال: كُنَّا في زمنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - نأخُذُ الأرَضِينَ بالثلُثِ والربُعِ، وبالماذيانات، فنهَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك (٣).
قالوا: وأمَّا بالطعامِ المعلومِ فلا بأسَ بذلك، كسائرِ العُروضِ. ولم يُفرِّقوا بينَ كِراءِ الأرض وكراءِ الدَّارِ. وإلى (٤) هذا ذهَب الشافعيُّ رحِمه الله (٥).
وقال آخَرُون: أحاديثُ رافعٍ في هذا الباب لا يَثبُتُ منها شيءٌ يُوجِبُ أن يكونَ حُكمًا؛ لاختلافِ ألفاظِها واضطرابِها، وكذلك حديثُ جابر.
قالوا: وممكنٌ أن يكونَ النَّهيُ عن ذلك على نحو ما روَاه سعيدُ بنُ المسيِّب، عن سعدِ بن أبي وقاصٍ، قالَ: كان الناسُ يُكْرُون المزارعَ بما يكونُ على السَّواقي، وبما يُنبِتُه الماءُ حولَ البِئْرِ، فنهانا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك.
(١) سلف تخريجه. (٢) أخرجه أحمد في المسند ٢٣/ ١١٨ (١٤٨١٣)، والبخاري (٢٣٤٠) و (٢٦٣٢)، ومسلم (١٥٣٦) (٨٩) بإثر (١٥٤٣). عطاء: هو ابن أبي رباح. (٣) سلف تخريجه في أثناء شرح الحديث الثاني لداود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد ٢/ ٣٢١. (٤) من هنا إلى آخر الفقرة سقط من ط. (٥) نصَّ على ذلك في الأُمّ ٤/ ١٢ قال: "ويجوز كِراءُ الأرض للزَّرع بالذَّهب والفضَّة والعروض، كما يجوز كِراءُ المنازل".