أعوذ بالله منك، قال:«قد أَعذتُكِ منِّي»، فقالوا لها: أتدرينَ من هذا؟ قالت: لا، قالوا: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، جاءكِ ليخطبكِ، قالت: أنا كنتُ أشقى من ذلك.
قالوا: وهذه كلُّها أخبارٌ عن قصَّةٍ واحدةٍ في امرأةٍ واحدةٍ في مقامٍ واحدٍ، وهي صريحةٌ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن تزوَّجها بعدُ، وإنَّما دخل عليها ليخطبها.
وقال الجمهور ــ منهم الأئمَّة الأربعة وغيرهم ــ: بل هذا من ألفاظ الطَّلاق إذا نوى به الطَّلاق، وقد ثبت في «صحيح البخاريِّ»(١) أنَّ أبانا إسماعيل بن إبراهيم طلَّق به امرأته لمَّا قال لها إبراهيم: مُرِيْهِ فلْيغيِّر عَتَبةَ بابه، فقال: أنتِ العَتَبة، وقد أمرني أن أفارقكِ، الْحَقِي بأهلك.
وحديث عائشة كالصَّريح في أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان عقدَ عليها، فإنَّها قالتْ لمَّا أُدخِلتْ عليه، فهذا دخول الزَّوج بأهله. ويُؤكِّده قولها: ودنا منها.
وأمَّا حديث أبي أُسَيد، فغاية ما فيه قوله:«هَبِي لي نفسَكِ»، وهذا لا يدلُّ على أنَّه لم يتقدَّم نكاحه لها، وجاز أن يكون هذا استدعاءً منه - صلى الله عليه وسلم - للدُّخول لا للعقد.
وأمَّا حديث سهل بن سعدٍ، فهو أصرحُها في أنَّه لم يكن وُجِد عقدٌ (٢)، فإنَّ فيه أنَّه - صلى الله عليه وسلم - لمَّا جاء إليها قالوا: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء ليخطبكِ، والظَّاهر أنَّها هي الجَوْنيَّة؛ لأنَّ سهلًا قال في حديثه: فأمر أبا أُسيد أن يُرسِل إليها،
(١) برقم (٣٣٦٤) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -. (٢) م: «في عقد».