أَتَطَوَّعَ حَيْثُ لا يَرَانِي مَلَكَايَ، لَفَعَلْتُ خَوْفًا مِنَ الرِّيَاءِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "الْيَسِيرُ مِنَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ" (١)، ثُمَّ أَخَذَ حَجَرًا صَغِيرًا فَوَضَعَهُ عَلَى كَفِّهِ، فَقَالَ: أَلَيْسَ هَذَا حَجَرًا؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: أَوَ لَيْسَ هَذَا الْجَبَلُ حَجَرًا؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَالاسْمُ يَقَعُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ أنَّهُ حَجَرٌ؛ فَكَذَلِكَ الرِّيَاءُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ شِرْكٌ.
وَكَانَ يَدخُلُ بَيتًا لَهُ، وَيُغْلِقُ بَابَهُ، وَلَمْ أَدرِ مَا يَصْنَعُ، حَتَّى سَمِعْتُ ابْنًا لَهُ صَغِيْرًا يَحكِي بُكَاءهُ، فَنَهَتْهُ أُمُّهُ، فَقُلْتُ لَهَا: مَا هَذَا؟ قَالَتْ: إِنَّ أَبَا الحسَنِ يَدخُلُ هَذَا البَيْتَ، فَيَقْرأُ، وَيَبْكِي، فَيَسْمَعُهُ الصَّبِيُّ، فَيَحْكِيهِ، وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، غَسَلَ وَجْهَهُ، وَاكتَحَلَ، فَلا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ البُكَاءِ.
وَكَانَ يَصِلُ قَوْمًا، وَيَكسُوهُمْ، وَيَقُولُ لِلرَّسُوْلِ: انظُرْ أَنْ لَا يَعلَمُوا مَنْ بَعَثَهُ، فَيَأْتِيْهِمْ هُوَ بِاللَّيْلِ؛ فَيَذْهَبُ بِهِ إِلَيْهِمْ، وَيُخْفِي نَفْسَهُ، فَرُبَّمَا يَلي ثَيَابُهُمْ، وَنَفِدَ مَا عِنْدَهُمْ، ولا يَدْرُوْن مَنِ الَّذي أَعْطَاهُمْ، وَلا أَعلَمُ - مُنْذُ صَحِبْتُهُ - وَصَلَ أَحَدًا بِأَقَلَّ مِنْ مائَةِ دِرْهَمٍ، إِلَاّ أَنْ لا يُمْكِنَهُ ذَلِكَ.
وَأَكَلْتُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ذَاتَ يَوْمٍ ثَرِيدًا فِي بَرَدٍ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا الحسَنِ، مَا لَكَ تَأْتِينِي بِثَرِيدٍ بَارِدٍ؟ ! هَكَذَا تَأْكُلُهُ؟ ! قَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الله، إِنِّي إِنَّمَا طَلَبْتُ الْعِلْمَ لِأَعْمَلَ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ فِي الْحَارِّ بَرَكَةٌ" (٢).
(١) أَخْرَجَهُ ابن مَاجَة (برقم: ٣٩٨٩) عن مُعَاذ بن جَبَل - رضي الله عنه -، وَذَكَرَهُ العَلامة الأَلْبَانِي في ضَعِيف الجامِع (برقم: ٢٠٢٩).(٢) ذَكَرَهُ العَلامة الأَلْبَانِي في الضَّعِيْفَة (برقم: ١٥٨٧) بِلَفْظ: أَبْرِدُوَا بِالطَّعَام، فإِنَّ الطَّعَام الحَارَّ غَيْرُ ذِي بَرَكَة، وَذَكَرَهُ في الصَّحِيْحَه (برقم: ٦٥٩) بلفظ: إِنَّه أَعْظَم لِلْبَرَكَة يَعْنِي: الطَّعَام الَّذي ذَهَب فَوْرُهُ وَدُخَانُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute