فَصْلٌ: في بَيَان مِحْنَتِه:
قال الحَاكِم في "تارِيخِه": حَدَّثَنَا أَحْمَد بن سَلَمَة، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن أَسْلَم، قال: لمَّا أُدْخِلْتُ عَلَى عَبْدِ الله بن طَاهِرٍ، وَلَمْ أُسَلِّمْ عَلَيْهِ بِالإِمْرَةِ، غَضِبَ، وَقَالَ: عَمَدتُم إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ القِبْلًةِ، فكَفَّرْتُمُوهُ، فَقِيْلَ: قَدْ كَانَ مَا أُنْهِيَ إِلَى الأَمِيْرِ. فَقَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: شِرَاكُ نَعْلَي عُمَرَ بن الخَطَّابِ خَيْرٌ مِنْكَ، وَكَانَ يَرفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ لَا تَرفعُ رَأْسَكَ إِلَى السَّمَاءِ. فَقُلْتُ بِرَأْسِي هَكَذَا إِلَى السَّمَاءِ سَاعَةً، ثُمَّ قُلْتُ: وَلِمَ لَا أَرفَعُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ؟ وَهلْ أَرْجُو الخَيْرَ إِلَّا مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ؟ ! وَلَكِنِّي سَمِعْتُ مُؤَمَّلَ بن إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ: النَّظَرُ فِي وُجُوْهِكُمْ مَعْصِيَةٌ. فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا؟ يُحْبَسُ.
فَأَقَمْنَا، وَكُنَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَيْخًا، فَحُبِسْتُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، مَا اطَّلَعَ اللهُ عَلَى قَلْبِي أَنِّي أَرَدْتُ الخَلَاصَ، قُلْتُ: اللهُ حَبَسَنِي، وَهُوَ يُطْلِقُنِي، وَلَيْسَ لِي إِلَى المَخْلُوْقِيْنَ حَاجَةٌ، فَأُخْرِجْتُ، وَأُدْخِلْتُ عَلَيْهِ، وَفِي رَأْسِي عِمَامَةٌ كَبِيْرَةٌ طَوِيْلَةٌ، فَقَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي السُّجُوْدِ عَلَى كَوْرِ العِمَامَةِ؟ فَقُلْتُ: حَدَّثَنَا خَلَّادُ بن يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن المُحَرَّرِ، عَنْ يَزِيْدَ بن الأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَجَدَ عَلَى كَوْرِ العِمَامَةِ"، فَقَالَ ابْنُ طَاهِرٍ: هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ (١). فَقُلْتُ: أَسْتَعْمِلُ هَذَا حَتَّى يَجِيْءَ أَقْوَى مِنْهُ، ثُمَّ قُلْتُ: وَعِنْدِي أَقْوَى مِنْهُ: حَدَّثَنَا يَزِيْدُ، حَدَّثَنَا شَرِيْكٌ، عَنْ حُسَيْنِ بن عَبْدِ الله، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يَتَّقِي بِفُضُولهِ حَرَّ الأَرْضِ وَبَرْدَهَا" (٢). هَذَا الدَّليْلُ عَلَى السُّجُوْدِ عَلَى كَوْرِ العِمَامَةِ.
(١) وَذَلِك لِضَعْف عَبْد الله بن المُحَرَّر الجَزَرَي، فقد لخَص الحافِظ في التَّقْرِيب مَا قِيل فِيه بِقَوْلِه: مَتْرُوك.(٢) أَخْرَجَه أَحْمَد في المُسْنَد (١/ ٣٢٠)، وَشَرِيْك، وَشَيْخُه حُسَيْن كلاهما ضَعِيف، وَلَكِنْ للحَدِيْث =
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute