والله يصرح بأن العقل في القلب، ولا شكَّ أن الذي خلق نور العقل وجعله في العبد ونوَّره به هو أعلم بالموضع الذي وضعه فيه … فالذي يقول: ليس الفقه في القلوب كالذي يقول: ليس الإبصار بالعيون، وليس السماع بالآذان؛ لأن الله قال:{قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا}{أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا}{آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا}، فدلَّ على أن الإبصار بالعين، والسماع بالأذن، والفقه بالقلب.
وهذا أمر معروف لا تكاد تحصَى الآيات الدالة عليه في القرآن" (١).
و {كَتَبَ} أي: ثبّت الإيمان في قلوبهم وغرسه غرسًا، لا تؤثر فيه الشبه والشكوك، وذكر القلوب لأنها موضع الإيمان (٢).
وذكر الشنقيطي رحمه الله في تعليقه على الآيتين السابقتين كلامًا مؤداه: أن الآيتين صريحتان في أن الموضع الذي يدخله الإيمان من المؤمن وينتفي دخوله فيه من الكافر هو القلب لا الدماغ؛ لأن أساس الإيمان إيمان القلب، والجوارح تبع له، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «أَلَا وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً؛ إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ
(١) العذب النمير (٤/ ٣٤٧ - ٣٤٨) مع بعض الاختصار والتصرف اليسير. (٢) ينظر: تفسير البغوي (٨/ ٦٣) ت: محمد عبد الله النمر وعثمان جمعة ضميرية وسليمان مسلم الحرش، دار طيبة، ط ٤، ١٤١٧ هـ، تفسير السعدي (٨٤٨) ت: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة، ط ١، ١٤٢٠ هـ.