[المطلب الثاني: مشاهد من بيت النبوة تبين حقيقة الدنيا، وكيف تعامل معها -صلى الله عليه وسلم-]
إن هذه المشاهد من بيت النبوة خير دليل على حقارة الدنيا، وأنها لا تساوي شيئًا، ولهذا لما عرفها -صلى الله عليه وسلم- على حقيقتها زهد فيها، وعاش فيها عيشة المساكين، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أَحِبُّوا الْمَسَاكِينَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ فِي دُعَائِهِ:«اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا، وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ»(١)، ورحل -صلى الله عليه وسلم- عنها ولم يكن لها في قلبه مكان، فقد تعَلّق قلبه بالدار الباقية دار الآخرة.
ودونك -أيها الداعية الموفق- هذه الصور الشاهدة على حقارة الدنيا عنده -صلى الله عليه وسلم-، فاقتد بقدوتك -صلى الله عليه وسلم-، وعلق قلبك بالدار الآخرة، واحذر من الافتتان بزينة الدنيا وزخارفها، فتفسد عليك قلبك، وتعوقك في طريق دعوتك، أو تقعد بك عنها:
(١) أخرجه الترمذي في أبواب الزهد، باب ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم (٤/ ٥٧٧) ح (٢٣٥٢)، وابن ماجه في كتاب الزهد، باب مجالسة الفقراء (٢/ ١٣٨١) ح (٤١٢٦) وهذا لفظه، والحاكم في المستدرك في كتاب الرقاق (٤/ ٣٥٨) ح (٧٩١١) وصححه ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الجامع (١/ ٢٧١) ح (١٢٦١) وحسنه لغيره في صحيح الترغيب (٣/ ٢٤٤) ح (٣١٩٣)، وضعف إسناده شعيب الأرناؤوط في تحقيقه لسنن ابن ماجه (٥/ ٢٤٠) ح (٤١٢٦)، والحديث -والله أعلم- له أصل يترقى به إلى درجة الحسن لغيره، كما قرره الشيخ الألباني رحمه الله في إرواء الغليل (٣/ ٣٦٢)، إشراف: الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، ط ٢، ١٤٠٥ هـ. (٢) أخرجه أحمد في المسند (٤/ ٤٧٣) ح (٢٧٤٤)، وابن حبان في باب من صفته -صلى الله عليه وسلم- وأخباره، ذكر ما مثل المصطفى -صلى الله عليه وسلم- نفسه والدنيا بمثل ما مثل به (١٤/ ٢٦٥) ح (٦٣٥٢)، والحاكم في المستدرك في كتاب الرقاق (٤/ ٣٤٤) ح (٧٨٥٨) وصححه ووافقه الذهبي، وقال في مجمع الزوائد في كتاب الزهد، باب في عيش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والسلف (١٠/ ٣٢٦) ح (١٨٢٩٩): "ورجال أحمد رجال الصحيح غير هلال بن خباب، وهو ثقة"، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٢/ ٩٨٩) ح (٥٦٦٩)، وقال شعيب الأرناؤوط في تحقيق المسند (٤/ ٤٧٤) ح (٢٧٤٤): "إسناده صحيح".