رَاجِعًا إلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنْ يَنْجُ زَيْدٌ مِنْ حُمَّى الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: قَدْ سَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاسْمِ غَيْرِ الْحُمَّى، وَغَيْرِ أُمِّ مَلْدَمٍ [١] فَلَمْ يَثْبُتْهُ- فَلَمَّا انْتَهَى مِنْ بَلَدِ نَجْدٍ إلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِهِ، يُقَالُ لَهُ فَرَدَةَ، أَصَابَتْهُ الْحُمَّى بِهَا فَمَاتَ، وَلَمَّا أَحَسَّ زَيْدٌ بِالْمَوْتِ قَالَ:
أَمُرْتَحِلٌ قَوْمِي الْمَشَارِقَ غُدْوَةً ... وَأُتْرَكُ فِي بَيْتٍ بِفَرَدَةَ مُنْجِدِ [٢]
أَلَا رُبَّ يَوْمٍ لَوْ مَرِضْتُ لَعَادَنِي ... عَوَائِدُ مَنْ لَمْ يُبْرَ مِنْهُنَّ يَجْهَدُ [٣]
فَلَمَّا مَاتَ عَمَدَتْ امْرَأَتُهُ إلَى مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ كُتُبِهِ، الَّتِي قَطَعَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَرَّقَتْهَا بِالنَّارِ.
أَمْرُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ
(هَرَبُهُ إِلَى الشَّامِ فِرَارًا مِنَ الرَّسُولِ) :
وَأَمَّا عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ فَكَانَ يَقُولُ، فِيمَا بَلَغَنِي: مَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْعَرَبِ كَانَ أَشَدَّ كَرَاهِيَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ بِهِ مِنِّي، أَمَا أَنَا فَكُنْتُ امْرَأً شَرِيفًا، وَكُنْتُ نَصْرَانِيًّا، وَكُنْتُ أَسِيرُ فِي قَوْمِي بِالْمِرْبَاعِ [٤] ، فَكُنْتُ فِي نَفْسِي عَلَى دِينٍ، وَكُنْتُ مَلِكًا فِي قَوْمِي، لِمَا كَانَ يُصْنَعُ بِي. فَلَمَّا سَمِعْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهْتُهُ، فَقُلْتُ لِغُلَامِ كَانَ لِي عَرَبِيٍّ، وَكَانَ رَاعِيًا لِإِبِلِي: لَا أَبَا لَكَ، أَعْدِدْ لِي مِنْ إبِلِي أَجَمَالًا ذُلُلًا [٥] سِمَانًا، فَاحْتَبِسْهَا قَرِيبًا مِنِّي، فَإِذَا سَمِعْتَ بِجَيْشِ لِمُحَمَّدِ قَدْ وَطِئَ هَذِهِ الْبِلَادَ فَآذِنِّي، فَفَعَلَ، ثُمَّ إنَّهُ أَتَانِي ذَاتَ غَدَاةٍ، فَقَالَ: يَا عَدِيُّ، مَا كُنْتَ صَانِعًا إذَا غَشِيَتْكَ خَيْلُ مُحَمَّدٍ، فَاصْنَعْهُ الْآنَ، فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَايَاتٍ، فَسَأَلْتُ عَنْهَا، فَقَالُوا: هَذِهِ جُيُوشُ مُحَمَّدٍ. قَالَ: فَقُلْتُ: فَقَرِّبْ إلَيَّ أَجْمَالِي، فَقَرَّبَهَا، فَاحْتَمَلْتُ بِأَهْلِي وَوَلَدِي، ثُمَّ قلت: ألحق بأهلى دِينِي مِنْ النَّصَارَى بِالشَّامِ
[١] قَالَ السهيليّ فِي (الرَّوْض ٢: ٣٤٢) الِاسْم الّذي ذهب عَن الراويّ من أَسمَاء الْحمى هُوَ: أم كلبة (بِضَم الْكَاف) ذكر لي أَن أَبَا عُبَيْدَة ذكره فِي مقَاتل الفرسان، وَلم أره.[٢] منجد: أَي بِنَجْد.[٣] يبري (بِالْبِنَاءِ الْمَجْهُول) أَي يبريه السّفر ويضعفه.[٤] أَسِير بالمرباع: أَي آخذ الرّبع من الْغَنَائِم، لِأَنِّي سيدهم.[٥] ذلل: جمع ذَلُول، وَهُوَ الْجمل السهل الّذي قد ريض.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute