الْعَرِيشِ فَدَخَلَهُ، وَمَعَهُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، لَيْسَ مَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاشِدُ [١] رَبَّهُ مَا وَعَدَهُ مِنْ النَّصْرِ، وَيَقُولُ فِيمَا يَقُولُ: اللَّهمّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ الْيَوْمَ لَا تُعْبَدْ، وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ: بَعْضَ مُنَاشَدَتِكَ رَبَّكَ، فَإِنَّ اللَّهَ مُنْجِّزٌ لَكَ مَا وَعَدَكَ. وَقَدْ خَفَقَ [٢] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَفْقَةً وَهُوَ فِي الْعَرِيشِ، ثُمَّ انْتَبَهَ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ، أَتَاكَ نَصْرُ اللَّهِ. هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسٍ يَقُودُهُ، عَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ [٣] .
(مَقْتَلُ مِهْجَعٍ وَابْنِ سُرَاقَةَ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ رُمِيَ مِهْجَعٌ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِسَهْمِ فَقُتِلَ، فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ رُمِيَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ، أَحَدُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُوَ يَشْرَبُ مِنْ الْحَوْضِ، بِسَهْمِ فَأَصَابَ نَحْرَهُ، فَقُتِلَ.
(تَحْرِيضُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْقِتَالِ) :
قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى النَّاسِ فَحَرَّضَهُمْ، وَقَالَ:
وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يُقَاتِلُهُمْ الْيَوْمَ رَجُلٌ فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ، إلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ. فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، وَفِي يَدِهِ تَمَرَاتٍ يَأْكُلُهُنَّ: بَخْ بَخْ [٤] ، أَفَمَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ إلَّا أَنْ يَقْتُلَنِي هَؤُلَاءِ، ثُمَّ قَذَفَ التَّمَرَاتِ مِنْ يَدِهِ وَأَخَذَ سَيْفَهُ، فَقَاتَلَ الْقَوْمَ حَتَّى قُتِلَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ: أَنَّ عَوْفَ [٥] بْنَ الْحَارِثِ، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يُضْحِكُ [٦] الرَّبَّ مِنْ عَبْدِهِ؟ قَالَ: غَمْسُهُ
[١] يناشد ربه: يسْأَله ويرغب إِلَيْهِ.[٢] خَفق: نَام نوما يَسِيرا.[٣] النَّقْع: الْغُبَار.[٤] بخ (بِكَسْر الْخَاء وإسكانها) كلمة تقال فِي مَوضِع الْإِعْجَاب.[٥] وَقد قيل فِي «عَوْف» : عوذ (بِالذَّالِ المنقوطة) . ويقوى هَذَا القَوْل أَن أَخَوَيْهِ معَاذ ومعوذ.(رَاجع الرَّوْض الْأنف) .[٦] يضْحك الرب، أَي يرضيه غَايَة الرِّضَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute