قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهَدِ بْنِ جَبْرٍ [١] أَبِي الْحَجَّاجِ، قَالَ: كَانَ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمِمَّا صَنَعَ اللَّهُ لَهُ، وَأَرَادَهُ بِهِ مِنْ الْخَيْرِ، أَنَّ قُرَيْشًا أَصَابَتْهُمْ أَزْمَةٌ شَدِيدَةٌ، وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ ذَا عِيَالٍ كَثِيرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ عَمِّهِ، وَكَانَ مِنْ أَيْسَرِ بَنِي هَاشِمٍ، يَا عَبَّاسُ: إنَّ أَخَاكَ أَبَا طَالِبٍ كَثِيرُ الْعِيَالِ، وَقَدْ أَصَابَ النَّاسَ مَا تَرَى مِنْ هَذِهِ الْأَزْمَةِ [٢] ، فَانْطَلِقْ بِنَا إلَيْهِ، فَلْنُخَفِّفْ عَنْهُ مِنْ عِيَالِهِ، آخُذُ مِنْ بَنِيهِ رَجُلًا، وَتَأْخُذُ أَنْتَ رَجُلًا، فَنَكِلُهُمَا عَنْهُ [٣] ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: نَعَمْ. فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا أَبَا طَالِبٍ، فَقَالَا لَهُ: إنَّا نُرِيدُ أَنْ نُخَفِّفَ عَنْكَ مِنْ عِيَالِكَ حَتَّى يَنْكَشِفَ عَنْ النَّاسِ مَا هُمْ فِيهِ، فَقَالَ لَهُمَا أَبُو طَالِبٍ: إذَا تَرَكْتُمَا لِي عَقِيلًا فَاصْنَعَا مَا شِئْتُمَا- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: عَقِيلًا وَطَالِبًا [٤] .
فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا، فَضَمَّهُ إلَيْهِ، وَأَخَذَ الْعَبَّاسُ جَعْفَرًا فَضَمَّهُ إلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ عَلِيٌّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَعَثَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَبِيًّا، فَاتَّبَعَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ، وَلَمْ يَزَلْ جَعْفَرٌ عِنْدَ الْعَبَّاسِ حَتَّى أَسْلَمَ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ.
(خُرُوجُ عَلِيٍّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى شِعَابِ مَكَّةَ يُصَلِّيَانِ، وَوُقُوفُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى أَمْرِهِمَا) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلَى شِعَابِ مَكَّةَ، وَخَرَجَ مَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مُسْتَخْفِيًا مِنْ أَبِيهِ أَبِي طَالِبٍ. وَمِنْ جَمِيعِ أَعْمَامِهِ وَسَائِرِ قَوْمِهِ، فَيُصَلِّيَانِ الصَّلَوَاتِ فِيهَا،
[١] كَذَا فِي أوتهذيب التَّهْذِيب. وَهُوَ مُجَاهِد بن جبر المكيّ أَبُو الْحجَّاج المَخْزُومِي الْمقري مولى السَّائِب ابْن أَبى السَّائِب. روى عَن على وَسعد بن أَبى وَقاص والعبادلة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم، وَعنهُ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَعَطَاء وَعِكْرِمَة وَغَيرهم. وَكَانَ مولده سنة إِحْدَى وَعشْرين فِي خلَافَة عمر، وَمَات سنة أَربع وَمِائَة. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «.... جبر بن أَبى الْحجَّاج» . وَكلمَة «ابْن» مقحمة.[٢] الأزمة: الشدَّة، وَأَرَادَ بهَا سنة الْقَحْط والجوع.[٣] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول «فنكفهما» .[٤] وَكَانَ من ولد أَبى طَالب غير هَؤُلَاءِ جَعْفَر. وَكَانَ على أَصْغَر من جَعْفَر بِعشر سِنِين، وجعفر أَصْغَر من عقيل بِعشر سِنِين، وَعقيل أَصْغَر من طَالب بِعشر سِنِين. وَكلهمْ أسلم إِلَّا طَالبا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute