عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ دُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ فِي صَدْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: مَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلَابٌ؟
فَقَالُوا لَهُ: لَمْ يَشْهَدْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَجَعْفَرٌ بْنُ كِلَابٍ. وَقَالَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ: «
لَآبَتْ جَعْفَرٌ وَبَنُو هِلَالٍ
» .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي أَنَّ خَيْلًا طَلَعَتْ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَى الثَّنِيَّةِ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَاذَا تَرَوْنَ؟ فَقَالُوا: نَرَى قَوْمًا وَاضِعِي رِمَاحِهِمْ بَيْنَ آذَانِ خَيْلِهِمْ، طَوِيلَةً بَوَادُّهُمْ [١] ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ بَنُو سُلَيْمٍ، وَلَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ، فَلَمَّا أَقْبَلُوا سَلَكُوا بَطْنَ الْوَادِي. ثُمَّ طَلَعَتْ خَيْلٌ أُخْرَى تَتْبَعُهَا، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَاذَا تَرَوْنَ؟
قَالُوا: نَرَى قَوْمًا عَارِضِي [٢] رِمَاحِهِمْ، أَغْفَالًا [٣] عَلَى خَيْلِهِمْ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، وَلَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ. فَلَمَّا انْتَهَوْا إلَى أَصْلِ الثَّنِيَّةِ سَلَكُوا طَرِيقَ بَنِي سُلَيْمٍ. ثُمَّ طَلَعَ فَارِسٌ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: مَاذَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: نَرَى فَارِسًا طَوِيلَ الْبَادِّ، وَاضِعًا رُمْحَهُ عَلَى عَاتِقِهِ [٤] ، عَاصِبًا رَأْسَهُ بِمُلَاءَةِ [٥] حَمْرَاءَ فَقَالَ هَذَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَأَحْلِفُ بِاللَّاتِ لَيُخَالِطَنَّكُمْ، فَاثْبُتُوا لَهُ. فَلَمَّا انْتَهَى الزُّبَيْرُ إلَى أَصْلِ الثَّنِيَّةِ أَبْصَرَ الْقَوْمَ، فَصَمَدَ لَهُمْ [٦] ، فَلَمْ يَزَلْ يُطَاعِنُهُمْ حَتَّى أَزَاحَهُمْ [٧] عَنْهَا.
(شِعْرُ سَلَمَةَ فِي فِرَارِهِ) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ دُرَيْدٍ وَهُوَ يَسُوقُ بِامْرَأَتِهِ حَتَّى أَعْجَزَهُمْ:
نَسَّيْتِنِي مَا كُنْتِ غَيْرَ مُصَابَةٍ ... وَلَقَدْ عَرَفْتِ غَدَاةَ نَعْفِ الْأَظْرُبِ [٨]
أَنِّي مَنَعْتُكِ وَالرُّكُوبُ مُحَبَّبٌ ... وَمَشَيْتُ خَلْفَكِ مِثْلَ مَشْيِ الْأَنْكَبِ [٩]
[١] البواد: جمع الباد، وَهُوَ بَاطِن الْفَخْذ.[٢] عارضى رماحهم: أَي واضعيها بِالْعرضِ وَهُوَ كِنَايَة عَن عدم مبالاتهم أعداءهم.[٣] أغفالا: جمع غفل، وَهُوَ الّذي لَا عَلامَة لَهُ. يُرِيد أَنهم لم يعلمُوا أنفسهم بِشَيْء يعْرفُونَ بِهِ.[٤] العاتق: مَا بَين الْمنْكب والعنق.[٥] الملاءة الملحفة صَغِيرَة كَانَت أَو كَبِيرَة.[٦] صَمد: قصد.[٧] أزاحهم عَنْهَا: أزالهم عَنْهَا ونحاهم.[٨] النعف: أَسْفَل الْجَبَل. والأظرب: مَوضِع. وَيحْتَمل أَن يكون جمع ظرب، وَهُوَ الْجَبَل الصَّغِير[٩] الأنكب: المائل إِلَى جِهَة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute