مَسْجِدُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصُنِعَ لَهُ عِنْدَهَا طَعَامٌ، فَأَكَلَ مِنْهُ، وَأَكَلَ النَّاسُ مَعَهُ، فَمَوْضِعُ أَثَافِيِّ الْبُرْمَةِ مَعْلُومٌ هُنَالِكَ، وَاسْتُقِيَ لَهُ مِنْ مَاءٍ بِهِ، يُقَالُ لَهُ:
الْمُشْتَرِبُ، ثُمَّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَرَكَ الْخَلَائِقَ [١] بِيَسَارِ، وَسَلَكَ شُعْبَةً يُقَالُ لَهَا: شُعْبَةُ عَبْدِ اللَّهِ، وَذَلِكَ اسْمُهَا الْيَوْمُ، ثُمَّ صَبَّ لِلْيَسَارِ [٢] حَتَّى هَبَطَ يَلَيْلَ [٣] ، فَنَزَلَ بِمُجْتَمَعِهِ وَمُجْتَمَعِ الضَّبُوعَةِ، وَاسْتَقَى مِنْ بِئْرٍ بِالضَّبُوعَةِ، ثُمَّ سَلَكَ الْفَرْشَ: فَرْشَ مَلَلٍ، حَتَّى لَقِيَ الطَّرِيقَ بِصُحَيْرَاتِ الْيَمَامِ، ثُمَّ اعْتَدَلَ بِهِ الطَّرِيقُ، حَتَّى نَزَلَ الْعُشَيْرَةَ مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ. فَأَقَامَ بِهَا جُمَادَى الْأُولَى وَلَيَالِيَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَة، وادع فِيهَا بَنِي مُدْلِجٍ وَحُلَفَاءَهُمْ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا.
(تَكْنِيَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بِأَبِي تُرَابٍ) :
وَفِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ قَالَ لِعَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا قَالَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَيْثَمٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَيْثَمٍ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَفِيقَيْنِ فِي غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ، فَلَمَّا نَزَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَامَ بِهَا، رَأَيْنَا أُنَاسًا مِنْ بَنِي مُدْلِجَ يَعْمَلُونَ فِي عَيْنٍ لَهُمْ وَفِي نَخْلٍ، فَقَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ، هَلْ لَكَ فِي أَنْ تَأْتِيَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ، فَنَنْظُرُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ؟ قَالَ: قُلْتُ: إنْ شِئْتَ، قَالَ: فَجِئْنَاهُمْ، فَنَظَرْنَا إلَى عَمَلِهِمْ سَاعَةً، ثُمَّ غَشِيَنَا النَّوْمُ. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَعَلِيٌّ حَتَّى اضْطَجَعْنَا فِي صُورٍ [٤] مِنْ النَّخْلِ، وَفِي دَقْعَاءَ [٥] مِنْ التُّرَاب فنمنا، فو الله مَا أَهَبَّنَا [٦] إلَّا رَسُولُ اللَّهِ،
[١] قَالَ ياقوت: « ... وَكَانَ لعبد الله بن أَحْمد بن جحش أَرض يُقَال لَهَا الْخَلَائق بنواحي الْمَدِينَة» .[٢] فِي أ: «للساد» . وَهُوَ تَحْرِيف. رَاجع شرح السِّيرَة.[٣] يليل (بتكرير الْيَاء مفتوحتين ولامين) : قَرْيَة قرب وَادي الصَّفْرَاء من أَعمال الْمَدِينَة، وَفِيه عين كَبِيرَة تسمى: الْبحيرَة.[٤] صور النّخل: صغاره.[٥] الدقعاء: التُّرَاب اللين.[٦] أهبنا: أيقظنا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute