كَلْبَ بْنِ عَوْفِ بْنِ لَيْثٍ، فِي سَرِيَّةٍ كُنْتُ فِيهَا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشُنَّ الْغَارَةَ عَلَى بَنِي الْمُلَوَّحِ، وَهُمْ بِالْكَدِيدِ، فَخَرَجْنَا، حَتَّى إذَا كُنَّا بِقُدَيَدٍ لَقِيَنَا الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ، وَهُوَ ابْنُ الْبَرْصَاءِ اللَّيْثِيِّ، فَأَخَذْنَاهُ، فَقَالَ: إنِّي جِئْتُ أُرِيدُ الْإِسْلَامَ، مَا خَرَجْتُ إلَّا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا لَهُ: إنْ تَكُ مُسْلِمًا فَلَنْ يَضِيرُكَ رِبَاطُ لَيْلَةٍ، وَإِنْ تَكُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ كُنَّا قَدْ اسْتَوْثَقْنَا مِنْكَ، فَشَدَدْنَاهُ رِبَاطًا، ثُمَّ خَلَّفْنَا عَلَيْهِ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِنَا أَسْوَدَ، وَقُلْنَا لَهُ: إنْ عَازَّكَ [١] فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ.
(بَلَاءُ ابْنِ مَكِيثٍ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ) :
قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا الْكَدِيدَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَكُنَّا فِي نَاحِيَةِ الْوَادِي، وَبَعَثَنِي أَصْحَابِي رَبِيئَةً [٢] لَهُمْ، فَخَرَجْتُ حَتَّى آتِيَ تَلًّا مُشْرَفًا عَلَى الْحَاضِرِ [٣] ، فَأَسْنَدْتُ فِيهِ [٤] ، فَعَلَوْتُ عَلَى رَأْسِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى الْحَاضِر، فو الله إنِّي لَمُنْبَطِحٌ عَلَى التَّلِّ، إذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنْ خِبَائِهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنِّي لَأَرَى عَلَى التَّلِّ سَوَادًا مَا رَأَيْتُهُ فِي أَوَّلِ يَوْمِي، فَانْظُرِي إلَى أَوْعِيَتِكَ هَلْ تَفْقِدِينَ مِنْهَا شَيْئًا، لَا تَكُونُ الْكِلَابُ جَرَّتْ بَعْضَهَا، قَالَ: فَنَظَرَتْ، فَقَالَتْ: لَا، وَاَللَّهِ مَا أَفْقِدُ شَيْئًا، قَالَ: فَنَاوِلِينِي قَوْسِي وَسَهْمَيْنِ، فَنَاوَلَتْهُ، قَالَ: فَأرْسل سَهْما، فو الله مَا أَخَطَأَ جَنْبِي، فَأَنْزِعُهُ، فَأَضَعُهُ، وَثَبَّتُّ مَكَانِي، قَالَ: ثُمَّ أَرْسَلَ الْآخَرَ، فَوَضَعَهُ فِي مَنْكِبِي، فَأَنْزِعُهُ فَأَضَعُهُ، وَثَبَّتُّ مَكَانِي، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: لَوْ كَانَ رَبِيئَةً [٥] لِقَوْمِ لَقَدْ تَحَرَّكَ، لَقَدْ خَالَطَهُ سَهْمَايَ لَا أَبَا لَكَ، إذَا أَصْبَحْتِ فَابْتَغِيهِمَا، فَخُذِيهِمَا، لَا يَمْضُغُهُمَا عَلَيَّ الْكِلَابُ. قَالَ:
ثمَّ دخل.
(نجاء الْمُسْلِمِينَ بِالنَّعَمِ) :
قَالَ: وَأَمْهَلْنَاهُمْ، حَتَّى إذَا اطْمَأَنُّوا وَنَامُوا، وَكَانَ فِي وَجْهِ السَّحَرِ، شَنَنَّا [٦]
[١] عازك: غالبك.[٢] الربيئة: الطليعة.[٣] الْحَاضِر: الْجَمَاعَة النازلون على المَاء.[٤] أسندت: ارتقيت.[٥] يرْوى: «زائلة» أَي لَو كَانَ مِمَّن يَزُول.[٦] شننا عَلَيْهِم الْغَارة: فرقنا عَلَيْهِم الْخَيل الْمُغيرَة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute