فَسَلَكْتُ الْجَوْشِيَّةَ [١] ، وَيُقَالُ: الْحَوْشِيَّةُ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ- وَخَلَّفْتُ بِنْتًا لِحَاتِمِ فِي الْحَاضِرِ [٢] ، فَلَمَّا قَدِمْتُ الشَّامَ أَقَمْتُ بِهَا.
(أَسْرُ الرَّسُولِ ابْنَةَ حَاتِمٍ ثُمَّ إطْلَاقُهَا) :
وَتُخَالِفُنِي خَيْلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتُصِيبُ ابْنَةَ حَاتِمٍ، فِيمَنْ أَصَابَتْ، فَقُدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبَايَا مِنْ طيِّئ، وَقَدْ بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَرَبِي إلَى الشَّامِ، قَالَ: فَجُعِلَتْ بِنْتُ حَاتِمٍ فِي حَظِيرَةٍ [٣] بِبَابِ الْمَسْجِدِ، كَانَتْ السَّبَايَا يُحْبَسْنَ فِيهَا، فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَتْ إلَيْهِ، وَكَانَتْ امْرَأَةً جَزْلَةً، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْوَالِدُ، وَغَابَ الْوَافِدُ [٤] فَامْنُنْ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ. قَالَ: وَمَنْ وَافِدُكَ؟ قَالَتْ:
عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ. قَالَ: الْفَارُّ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَتْ: ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَنِي، حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ مَرَّ بِي، فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ بِالْأَمْسِ. قَالَتْ: حَتَّى إذَا كَانَ بَعْدَ الْغَدِ مَرَّ بِي وَقَدْ يَئِسْتُ مِنْهُ، فَأَشَارَ إلَيَّ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ أَنْ قَوْمِي فَكَلِّمِيهِ، قَالَتْ: فَقُمْتُ إلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْوَالِدُ، وَغَابَ الْوَافِدُ، فَامْنُنْ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ فَعَلْتُ، فَلَا تَعْجَلِي بِخُرُوجِ حَتَّى تَجِدِي مِنْ قَوْمِكَ مَنْ يَكُونُ لَكَ ثِقَةً، حَتَّى يُبَلِّغُكَ إلَى بِلَادِكَ، ثُمَّ آذِنِينِي. فَسَأَلْتُ عَنْ الرَّجُلِ الَّذِي أَشَارَ إلَيَّ أَنْ أُكَلِّمَهُ، فَقِيلَ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَأَقَمْتُ حَتَّى قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَلِيَّ أَوْ قُضَاعَةَ، قَالَتْ: وَإِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ آتِيَ أَخِي بِالشَّامِ. قَالَتْ: فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ قَوْمِي، لِي فِيهِمْ ثِقَةٌ وَبَلَاغٌ.
قَالَتْ: فَكَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَمَلَنِي، وَأَعْطَانِي نَفَقَةً، فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ.
[١] الجوشية: جبل للضباب قرب ضرية. من أَرض نجد.[٢] بنت حَاتِم هَذِه: هِيَ سفانة كَمَا رَجحه السهيليّ، إِذْ لَا يعرف لَهُ بنت غَيرهَا. والحاضر: الْحَيّ.[٣] الحظيرة: شَبيهَة بالزرب الّذي يصنع لِلْإِبِلِ وَالْغنم ليكفها.[٤] الْوَافِد: الزائر.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute