وروى السديُّ عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"عُرضت عليَّ أمَّتي في صُوَرها في الطين كما عُرضت على آدم، وأُعلمتُ مَن يؤمنُ بي ممن يكفرُ"، فبلغ ذلك المنافقين، فاستهزؤوا وقالوا: زعم محمدٌ أنه يَعلم مَن يؤمن به ممن يكفرُ ممن لم يُخلق بعدُ، ونحن معه ما يَعرِفنا، فبلغ ذلك رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقام على المنبر خطيبًا فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال:"ما بالُ أقوام جهَّلوني فطعنوا (١) عليَّ في عِلمي؟ لا تسألوني عن شيء فيما (٢) بينكم وبين الساعة إلا أنبأتكم به"، ونزلت:{مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ}(٣)؛ أي: من الاجتماع {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} وميَّز المؤمنين يوم أحد من المنافقين، حيث أَظهروا النفاق وتخلَّفوا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
قوله تعالى:{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}: هو أمرٌ بابتداء الإيمان في حقِّ الكفار، وأمرٌ بالدوام عليه في حق المؤمنين، وكذا قوله تعالى:
وقال الإمامُ أبو منصور رحمه اللَّه: قيل: إنهم كانوا يقولون: لا نؤمن حتى نؤتَى مثلَما أُوتي (٥) الأنبياء؛ كما قال تعالى:{قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ}
(١) في (ف) و (أ): "وطعنوا". (٢) في (ر): "مما". (٣) انظر: "تفسير الثعلبي" (٣/ ٢١٧)، و"أسباب النزول" للواحدي (ص: ١٣٢)، و"تفسير البغوي" (٢/ ١٤٠)، وقد ذكروه دون سند عن السدي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مرسلًا، وليس فيه عندهم ابن عباس. (٤) في (أ): "تديموا". (٥) في (ف): "أتوا".