فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لئن بقيتم ــ أو: من بقي منكم ــ لتسمَعُنَّ بهذا الوادي وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه».
قلت: ثبت في «صحيح مسلم» أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهم:«إنكم ستأتون غدًا إن شاء الله عينَ تبوكَ، وإنكم لن تأتوها حتى يُضْحِيَ النهارُ، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئًا ... » الحديث، وقد تقدم (١)؛ فإن كانت القصة واحدةً فالمحفوظ حديث مسلم، وإن كانت قصَّتَين فهو ممكن.
قال (٢): وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي أن عبد الله بن مسعود كان يحدث قال: قمتُ من جوف الليل وأنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك، فرأيت شُعلةً من نارٍ في ناحية العسكر فاتَّبعتُها أنظر إليها، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر، وإذا عبد الله ذو البِجادين المُزَني قد مات، وإذا هم قد حفروا له، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حفرته وأبو بكر وعمر يُدليانه إليه وهو يقول:«أَدْنِيا إليَّ أخاكما» فدلَّياه إليه، فلما هيَّأه لشقِّه قال:«اللهم إني قد أمسيتُ راضيًا عنه فارْضَ عنه»، قال: يقول عبد الله بن مسعود: «يا ليتني كنت صاحب الحفرة».
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرجعَه من غزوة تبوك:«إن بالمدينة لأقوامًا ما سِرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم»، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال:«نعم، حبسهم العذر»(٣).
(١) (ص ٦٧٥). (٢) أي: ابن إسحاق، كما في «سيرة ابن هشام» (٢/ ٥٢٨). وفي إسناده انقطاع بين محمد بن إبراهيم التيمي وابن مسعود، إلا أن له طريقين آخرين في «معجم الصحابة» للبغوي (٩٥٥) و «مسند الشاشي» (٨٩٣)، يثبت الخبر بمجموعها. (٣) أخرجه البخاري (٤٤٢٣) وأبو داود (٢٥٠٨) وابن حبان (٤٧٣١) والبيهقي في «الدلائل» (٥/ ٢٦٧)، واللفظ بالأخيرَين أشبه.