الحكم الحادي عشر: منع المحرم من تغطية وجهه. وقد اختُلِف في هذه المسألة: فمذهب الشَّافعيِّ وأحمد في روايةٍ إباحتُه، ومذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد في روايةٍ المنعُ منه. وبإباحته قال ستَّةٌ من الصَّحابة: عثمان، وعبد الرَّحمن بن عوفٍ، وزيد بن ثابتٍ، وابن الزبير (١)، وسعد بن أبي وقَّاصٍ، وجابر (٢). وفيه قولٌ ثالثٌ شاذٌّ: إن كان حيًّا فله تغطية وجهه، وإن كان ميِّتًا لم يجز أن يُغطَّى وجهه. قاله ابن حزمٍ (٣)، وهو اللَّائق بظاهريَّته.
واحتجَّ المبيحون بأقوال هؤلاء الصَّحابة، وبأصل الإباحة، وبمفهوم قوله:«ولا تُخمِّروا رأسه». وأجابوا عن قوله:«ولا تُخمِّروا وجهه» بأنَّ هذه اللَّفظة غير محفوظةٍ فيه. قال شعبة (٤): حدَّثنيه أبو بشر، ثمَّ سألته عنه بعد عشر سنين، فجاء بالحديث كما كان، إلا أنَّه قال:«لا تُخمِّروا رأسَه ولا وجهَه». قالوا: وهذا يدلُّ على ضعفها (٥). قالوا: وقد روي في هذا الحديث (٦): «خَمِّروا وجهه، ولا تُخمِّروا رأسه»(٧).
(١) في المطبوع: «الزبير»، وهو خطأ. (٢) انظر أقوال هؤلاء الصحابة في «المحلى» لابن حزم (٧/ ٩١ - ٩٢). (٣) في «المحلى» (٥/ ١٥٠). (٤) رواه النسائي في «المجتبى» (٢٨٥٤) و «الكبرى» (٣٨٢٣)، وانظر: «الجوهر النقي» (٥/ ٥٤). (٥) انظر: «المغني» (٥/ ١٥٣) و «نصب الراية» (٣/ ٢٨) و «الإرواء» (٤/ ١٩٧ - ٢٠٠). (٦) «لا تخمروا ... هذا الحديث» ساقطة من ك. (٧) رواه الشافعي في «الأم» (٢/ ٦٠٥) ومن طريقه البيهقي في «السنن الكبرى» (٥/ ٥٤) و «المعرفة» (٥/ ٢٢٦).