فإن قيل: فإن الخطبة يوم الجمعة واجبة، ويقوم بها واحد.
فالفصل بينهما أن الخطبة لا يجوز أن يفعلها الإنسان لنفسه، وليس كذلك الأذان؛ لأنه يفعله الإنسان مفردًا لنفسه.
وجواب آخر: وهو أن الخطبة ليست شرطًا في صحة الصلاة التي يصلونها (١)، لأنه لو أحدث فيها لم تفسد، وتصح الصلاة، وإنما يقال: إذا تركها أعادها لأنها واجبة، وأعاد الصلاة لأنها لا تكون إلا بعد الخطبة.
وأيضًا فإن أصل الأذان كان عن رؤيا ومشورة، ولو كان واجبًا؛ لابتدأه النبي ﵇، ولم يأخذه عن منامِ آخر (٢).
فإن قيل: فإن الأمر وإن جرى كذلك؛ فقد يحصل (٢٧٦) واجبًا بعد ذلك، ألا ترى أن النبي ﵇ حكّم سعدًا في بني قريظة، فكان حكمه واجبًا (٣).
ومعاذ اتبع النبي ﵇ في صلاته ثم قضى، فقال النبي ﵇:"سن لكم معاذ سنة فاتبعوها"(٤).
قيل: إن معاذًا وسعدًا لا يجوز أن يفعلا شيئًا بين يدي رسول الله ﷺ إلا عن أمر قد ظهر لهما من دينه ﷺ بدلالةٍ نصبَها لهما.
وأيضًا فإن الأذان غير واجب في السفر، فلو كان واجبًا في الحضر؛
(١) سبق أن ذكر المصنف أن الخطبة شرط في صحة الصلاة (٣/ ٤٤). (٢) تقدم في حديث عبد الله بن زيد (٤/ ٧). (٣) تقدم تخريجه (٣/ ٥٠٦). (٤) أخرجه أبو داود (٥٠٦) بإسناد صحيح على شرط الشيخين كما قال الألباني في صحيح أبي داود (٥٢٣).