والحرص على هداية الناس يدل على قلب رحيم مشفق على العباد، يريد الخير لهم، والنجاة من العذاب، وقد جاء في السنة أمثلة على حرصه -صلى الله عليه وسلم- الشديد على هداية الناس، فمن ذلك ما يرويه ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ إِلَى البَطْحَاءِ، فَصَعِدَ إِلَى الجَبَلِ فَنَادَى:«يَا صَبَاحَاهْ»، فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ، فَقَالَ:«أَرَأَيْتُمْ إِنْ حَدَّثْتُكُمْ أَنَّ العَدُوَّ مُصَبِّحُكُمْ أَوْ مُمَسِّيكُمْ؟ أَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي؟» قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:«فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ»، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟! تَبًّا لَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عز وجل-: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}[المسد: ١] إِلَى آخِرِهَا (٢).
(١) تفسير السعدي (٤٧٠). (٢) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {وَتَبَّ (١) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} [المسد: ١، ٢] (٦/ ١٨٠) ح (٤٩٧٢). (٣) قال النووي رحمه الله في معنى (النذير العريان): "قال العلماء: أصله أن الرجل إذا أراد إنذار قومه وإعلامهم بما يوجب المخافة نزع ثوبه وأشار به إليهم إذا كان بعيدًا منهم ليخبرهم بما دهمهم .. قالوا: وإنما يفعل ذلك لأنه أبين للناظر وأغرب وأشنع منظرًا، فهو أبلغ في استحثاثهم في التأهب للعدو. وقيل معناه: أنا النذير الذي أدركني جيش العدو فأخذ ثيابي فأنا أنذركم عريانًا". ينظر: شرح النووي على مسلم (١٥/ ٤٨). (٤) قال الجوهري رحمه الله: "أَدْلَجَ القوم، إذا ساروا من أوّل الليل". ينظر: الصحاح (١/ ٣١٥) مادة (دلج).