الجمل، وطرائق اللفظ، وإذا كنا كالأقدمين، ونحن على حق، نرى أن المكان الأول لمعرفة الأصيل في لغة العرب وثقافتها هو جزيرة العرب، فإن واجبنا الأول هو دراسة الجزيرة العربية وأحوالها بدقة وتفصيل، أو على الأقل تشجيع البحوث عنها.
ولدراسة جزيرة العرب أهمية خاصة في تاريخ العرب والاسلام، ففيها ظهر الرسول ﷺ ودعى إلى الإسلام وأسس دولة الإسلام، وعلى أهلها اعتمد الرسول والخلفاء الراشدون في فتح البلاد وتوسيع رقعة دولة الإسلام، ومن أبنائها كان الجند الذين وسعوا حدود دولة الإسلام وثبتوا فيها الأمن والنظام ومنهم كان الخلفاء والقواد وكبار رجال الإدارة الذين سيروا دفة الدولة.
والحق أن مثلهم العليا المنعكسة في الشعر والأدب سادت في عصرهم، وكانت أساس الحركة الفكرية في العصور الإسلامية. وان مجمعكم العتيد باستهدافه الحفاظ على لغة العرب، وتثبيتها في مختلف مجالات الحياة والفكر بقدر الامكان، إن هو في الحقيقة إلا يستهدف حفظ لغة أهل جزيرة العرب التي احتفظت أكثر من غيرها بالأصيل، وتأثرت أقل من غيرها بالدخيل. ولما علا صوت الأعاجم في الثقافة، وبدا أثرهم يظهر في حياة العرب ولغتهم، وتجلت الحاجة إلى معرفة الأصيل وتثبيته، لجأ أسلافكم من علماء اللغة والباحثين فيها إلى الصحراء، يستمدون منها المعرفة الصحيحة، فأخذوا يتتبعون العلم في منابعه والمعرفة من مصادرها.
ولا بد هنا من الاشارة إلى أمر أوقع الغافلين عنه في أخطاء فاضحة، وخلق في أذهانهم بلبلة محيرة، ألا وهو التنوع الكبير في أجزاء الجزيرة، والتبدل الذي تعرضت له. ولست أريد الدخول هنا في عرض أو مناقشة النظريات التي لقيت صدى في بعض الأوساط عن تبدل مناخ الجزيرة في التاريخ الموغل في القدم كما يقول الجغرافيون، أو قبيل الإسلام كما يرى (كايتاني) ومتابعوه، بل اقتصر على لفت النظر إلى التنوع في تركيب الأرض وأحوال