سطحها، ومدى توفر المياه والنباتات والمزروعات فيها، وما يتبع ذلك من تنوع في مظاهر الحضارة، وأثر ذلك في تنوع تفاصيل مظاهر الحياة واللغة.
لم تكن الجزيرة في تاريخها منعزلة عن أحداث البلاد المجاورة لها في الحياة السياسية أو الحضارية، فإذا تركنا الحديث عن صلاتها بالعالم قبل الاسلام، فإنها احتفظت منذ ظهور الاسلام بصلات وثيقة مع أقاليم العالم الاسلامي، بفضل العدد الكبير من أبنائها الذين ساهموا في الفتوح، وصاروا مقاتلة في الدولة، واستقروا في الأمصار، هذا بجانب العدد الكبير الذي كان يمر بها سنويا في طريقه إلى الحج، أو يستقر مقيما في مدنها المقدسة أو في مراكز الحياة الاقتصادية فيها. وأخيرا فإن صلة جزيرة العرب بما يجاورها ظلت وثيقة بفضل القوافل التجارية التي كانت تمر بها والمنتوجات التي كانت تصدرها.
وقد عرضها كل ذلك إلى تطورات كبيرة، وأوجد فيها أحوالا متبدلة.
فإذا كانت دراسة التنوع في الجزيرة ضرورية، فإن مراعاة التطورات الزمنية أمر أساسيّ لفهم أحوالها على وجه الصحة.
تكتسب دراسة أوضاع الجزيرة في صدر الاسلام أهمية خاصة، ففي هذه الفترة اعتنق أبناؤها الإسلام وقاتلوا من أجل تكوين وتوسيع وتثبيت دولة الاسلام، وساهموا في الفتوح والادارة، واعتزوا بلغتهم وثقافتهم وآدابهم وحضارتهم، ولما حاول بعض الأعاجم في الأمصار خاصة، تحدي هذه النظم والمفاخرة بتراث الأعاجم، انبرى عدد كبير يدافع عن البداوة وتراث الصحراء.
وشارك في هذا الدفاع الخلفاء والعلماء، فإنهم عرب ينحدرون من عالم كبير من علماء العربية، وقد عينوا لادارة أقاليم دولتهم وقيادة جيوشها رجالا أغلبهم من أقاربهم العباسيين، أي من العرب، وأودعوا تربية أولادهم لعلماء في العربية، وشجع الأولون جمع الشعر العربي البدوي، وقربوا علماءه