الناشرون، ومعيارا على ضوئه يحكم الناقدون بحسن النشر وعدمه. إن هذا المجمع الذي ضم خيرة من لهم الفطنة والخبرة والتمرس في هذا الميدان، وإن المكانة العظيمة التي يشغلها أعضاؤه، وما تتسم به نظرتهم من أفق واسع في الزمان والمكان، وما يتجلى في تفكيرهم من عمق واتزان، يجعله أجدر مؤسسة بوضع قواعد شاملة مفصلة واضحة عملية للنشر، جديرة بالتطبيق تكون معيارا لتقييم الجهد، وتضع حدا لهذا التنوع المنبعث من الاجتهادات الشخصية، والذي وصل حدا يسبب الارباك والاضطراب.
لقد تم نشر مقدار عظيم من التراث العربي في مختلف ميادين المعرفة، وساهم في هذا النشر عدد عظيم من الناشرين العرب والأعاجم، من العلماء والتجار، وتعدد نشرات عدد غير قليل من الكتب، ولكن بالرغم من ذلك لا تزال كثير من المخطوطات المهمة تنتظر الطبع، وكثير من المنشورات بحاجة إلى إعادة طبع يتوفر فيه شرائط النشر العلمي، ولعل من أبرز مظاهر التقدم الفكري في العالم العربي تزايد عدد المقدرين لتراثنا الفكري، ونمو الرغبة في المساهمة في هذا النشر، غير أن كثيرا منهم يقف حائرا في أول الطريق، وهو بحاجة إلى الهداية إلى ما ينبغي أن يسبق غيره في النشر لأهميته. وإني أرى أن مجمعكم الموقر هو من أولى من يقوم بهذه الهداية، وأن يكون ذلك عن طريق نشر قوائم يعاد النظر فيها كل سنتين أو أكثر في المخطوطات الأجدر بالنشر، لقيمة مادتها العلمية أو لإصالة نسختها، وأن تشمل مواضيع متعددة في أزمنة مختلفة، مع تفضيل مخطوطات المواضيع التي تبحث في مشاكل تشغل بالنا بالدرجة الأولى.
ومما يتصل بأمر النشر ضرورة تنسيق جهود الناشرين لغرض تحقيق أقصى المنافع منها.
فمن المعلوم أن المخطوطات الجديرة بالنشر كثيرة، ومعظمها سهل المنال لمن يريد قراءتها والاستفادة منها أو نشرها - وليس في البلاد العربية قيد على من يريد النشر.