يقول اللَّهُ تعالى: لم أفعلْ هذا بكلِّ زروعِكُم، بل أُنبتُها بعدما كانت باليةً في الأرض، فلا تُنكروا قدرتي على إخراجِكُم مِن الأرضِ بعدَ بلائِكُم فيها.
وروى أنسُ بنُ مالكٍ رضي اللَّه عنه، عن النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّه مَرَّ بأرضٍ للأنصارِ فقال:"ما يمنعُكُم مِنَ الحَرْثِ؟ "، قالوا: الجُدُوْبَةُ، قال:"فلا تفعلوا؛ فإنَّ اللَّه تعالى قال: أنا الزَّارع، إنْ شئْتُ زرعْتُ بالماءِ، وإنْ شئْتُ زرعْتُ (١) بالرِّيْحِ، وإنْ شئْتُ زرعْتُ بالبَذْرِ"، ثمَّ تلا هذه الآية (٢).
وقوله تعالى:{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ}: ثمَّ حاجَّهم بحجَّة أخرى فقال: أخبروني عن الماءِ الذي تشربونه لتُحيوا به أنفسَكم، وتُسكِّنوا به عطشَكم {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ}؛ أي: السَّحاب، وقيل: هو السَّحابُ الأبيض.
{أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ}: وأنتم معترفون بعجزكم عن إنزالِه منه، وبقدرتي عليه.
{لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا}؛ أي: مِلْحًا مرًّا، لا تنتفعون به في شُرْبٍ (٣) ولا زرعٍ ولا غرسٍ.
وقال الأخفشُ: والأُجاجُ: أشدُّ الماءِ مُلوحة (٤).
(١) "زرعت" ليس في (أ). (٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٩/ ٢١٦)، والقرطبي في "تفسيره" (٢٠/ ٢١٣) ولم أجده مسندًا. (٣) في (أ): "مشرب". (٤) وذكر نحوه الفراء في "معاني القرآن" (٣/ ١٢٩)، وأبو عبيدة في "مجاز القرآن" (٢/ ٢٥٢).