وقوله تعالى:{إِلَّا مَنْ تَابَ}: أي: رجع عن ذلك {وَآمَنَ} باللَّه ورسوله {وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا}؛ أي: أتى بالطاعات.
وقيل: لما نزل هذا قال أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: ما منا إلا وقد فعل هذا في الجاهلية، فأنزل اللَّه تعالى:{إِلَّا مَنْ تَابَ}(٢).
وقيل: نزلت في قوم من المشركين عملوا هذه الأشياء ثم جبُنوا عن الدخول في الإسلام خوفًا ألا يُقبل منهم (٣).
وقيل -وهو مروي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما-: نزلت في وحشيِّ بن حرب غلامِ مُطْعِم بن عدي بن عبد مناف -وقيل: غلامِ جُبير بن مُطْعِمٍ- وذلك أنه كتب إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنك تدعونا إلى دينك وتقول: ومَن يَدْعُ مع اللَّه إلهًا آخرَ، ويقتل النفس التي حرَّم اللَّه، ويزنِ، فهو من أهل النار، وإني قد فعَلْتُ هذا كلَّه، فهل من توبةٍ؟ فأنزل اللَّه تعالى قوله:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}
(١) في (ر) و (ف): "مذللًا مستحقًا". (٢) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (٨/ ٢٧٣٢) عن أبي مالك مرسلًا. (٣) رواه مسلم (١٢٢) عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أنَّ ناسًا من أهلِ الشِّرك قَتَلوا فأكثَروا، وزنَوا فأكثَروا، ثُم أتَوا محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالوا: إنَّ الذي تقولُ وتَدْعو لحسَنٌ، ولو تُخبرُنا أنَّ لِمَا عَمِلْنا كفَّارةً، فنَزل: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}، ونزَل {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: ٥٣].