وقوله تعالى:{وَفِي الْآخِرَةِ}: أي: فيها حسنةً أيضًا؛ كما قال:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً}[البقرة: ٢٠١].
وقوله تعالى:{إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أي: تُبنا إليك (١)، وأصله الرجوع.
وقيل: أي: مِلنا إليك، وليست اليهودية مشتقَّةً منه، فإنها (٢) اسمُ ذمٍّ والهَود صفةُ مدحٍ، وقد قال اللَّه تعالى:{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا} الآية [آل عمران: ٦٧]، فنفى الاسم عنه، لكنها مشتقَّةٌ من يهوذا، نُسبوا إليه وغيَّرت العرب الذال في النسبة دالًا.
وقوله تعالى:{قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ} جوابُ قول موسى: {لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ} ومعناه: أصيبُ بالعذاب مَن أشاء أن أصيبَه به (٣)، وهو الذي أشاء منه الكفرَ والمعصية، وهو الذي أَعلمُ منه اختيارَ (٤) ذلك.
وقوله تعالى:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}: قال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: ما من مسلمٍ ولا كافرٍ إلا وعليه من آثار رحمته في الدنيا، وبها يتعيَّشون، وبها يتوادُّون، وفيها يتقلَّبون، لكنها للمؤمنين خاصة في الآخرة، وذلك قوله تعالى:
{فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}: أي: سأجعلُها في الآخرة للَّذين يتقون الشرك والمعاصيَ، ويحتمِل أن يكون هذا جواب قولهم:{وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً} سألوا الحسنة (٥)؛ أي: الرحمة، فقال: هي {لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}(٦).
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (١٠/ ٤٧٩ - ٤٨٠)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٥/ ١٥٧٧). (٢) في (أ): "فإنه". (٣) "به": من (ر). (٤) في (ر): "أعلم أنه اختار". (٥) في (ر): "الجنة". (٦) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٥/ ٥٣).