لكن (١) معنى قوله: {أَتُهْلِكُنَا}: أن هذا استفهامٌ بمعنى النفي كما في قوله: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا}[الأعراف: ١٩٥]؛ أي: إنك لا تهلكنا بما فعَل (٢) السفهاء، وقد ذكر قبله:{لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ} ومع ذلك لم تفعل، وذلك فضلٌ منك، ثم قال:{أَتُهْلِكُنَا}؛ أي: لا تُهلكنا بفعلِ السفهاء، وهذا عدلٌ منك.
وقوله تعالى:{إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ}: أي: ما هي إلا فتنتُك (٣)، قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أي: بليَّتُك (٤). وقال الكلبيُّ: عذابُك (٥).
وقال الربيع بن أنس ومقاتل: بلاؤك (٦). وهو كقول ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
وقيل: هو راجع إلى قول اللَّه تعالى: {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ} فقال موسى: هي (٧) تلك الفتنة التي أخبرتَني بها، وهي ابتلاءُ اللَّهِ تعالى عبادَه بما شاء، قال تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}[الأنبياء: ٣٥].
وقوله تعالى:{تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ}: أي: مَن قال: اختارهم ثم أهلكهم.
وقوله تعالى:{وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ}؛ أي: مَن قال: إن اللَّه لا يعذِّب أحدًا من غيرِ ذنب.
(١) في (ر): "وليس"، والمثبت من باقي النسخ، وهو الصواب. انظر: "البسيط" (٩/ ٣٩٠). (٢) في (ف): "بفعل" بدل: "بما فعل". (٣) "أي: ما هي إلا فتنتك": ليس في (أ) و (ف). (٤) رواه أبو صالح عن ابن عباس بلفظ: (بلاؤك). انظر: "زاد المسير" (٣/ ٢٦٩). ورواه بلفظ المؤلف الطبري في "تفسيره" (١٠/ ٤٧٧ - ٤٧٨) من قول أبي العالية وسعيد بن جبير والربيع بن أنس. والمعنى واحد كما سيأتي. (٥) رواه الطبري في "تفسيره" (١٠/ ٤٧٨)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٥/ ١٥٧٥)، عن ابن عباس. (٦) انظر: "تفسير مقاتل" (٢/ ٦٦). ورواه الطبري (١٠/ ٤٧٨) عن الربيع بلفظ: (بليتك) كما ذكرنا قريبًا. (٧) في (ر): "هل".