قالوا: خلق اللَّه السَّماواتِ أوَّلًا؛ لأنَّها أشرفُ مِن الأرض، وخلقَ الظُّلمةَ أوَّلًا؛ لأنَّها مِثالٌ للشَّكِّ والحيرة، ثمَّ يُجلِّيها البيانُ والبرهان.
وفي بعض التفاسير:{وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}؛ أي: وقد جعلَ الظُّلماتِ والنُّور؛ لأنَّ خلقَهُما كان قبل خلقِ السَّماوات والأرض.
وقال وهبُ بنُ منبه: أوَّل ما خلقَ اللَّه تعالى مكانٌ مظلم، ثمَّ خلق جوهرةً، فأضاءَ بها ذلك المكان، ثمَّ نظر إلى الجوهرةِ نظرَ الهيبةِ، فذابَت فصارَتْ ماءً (١).
وقيل: إنَّما جمعَ الظُّلمات، ووحَّد النور؛ لأنَّه مصدرٌ كالطُّول والهُون، فيَستوي فيه الواحد والجمع.
وقوله تعالى:{ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}، وكلمة {ثُمَّ} كلمةُ تعجيبٍ، يقول الرجل لآخر: إنِّي قد فعلتُ لك كذا وكذا، ثمَّ تَجفوني! أي: مِن العَجب هذا، ونظيره من القرآن:{ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ}[الأنعام: ٢]، {ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلَّا} [المدثر: ١٥ - ١٦]، {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ}[البقرة: ٨٥]، ومعنى الآية: ثمَّ المشركون مع إقرارِهم بأنَّ اللَّه خلقَهما يَعدلون بِربِّهم سواه؛ أي: يُسوُّون به الأوثان، قاله (٢) قطرب، يُقال: عدلَ الكافرُ بربِّه عدلًا وعدولًا، إذا سوَّى به غيرَه فعبدَه، والعدلُ: التَّسويةُ، عدلَ الشَّيءَ بالشَّيء، إذا سوَّاهُ به (٣).
وقال النَّضرُ بنُ شُمَيل:{بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}؛ أي: عن ربِّهم يَميلون ويَنحرفون (٤)، وهو كقوله:{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ}[الإنسان: ٦]؛ أي: منها.
(١) انظر: "تفسير الثعلبي" (٤/ ١٣٣). (٢) في (ر): "وقال". وانظر: "تفسير الثعلبي" (٤/ ١٣٣). (٣) من قوله: "يقال عدل الكافر" إلى هنا ليس في (أ). (٤) انظر: المصدر السابق.