وقوله تعالى:{قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}: قُرئ فيه بالرَّفع على الاستئناف، وبالنصب على المدح (١)، وهذا (٢) شاذٌّ، وبالخفض على البَدَل، وهو قراءة الزهريِّ (٣)، وهو كما قال كُثَيِّر به (٤):
ولو قلتَ: مررتُ بثلاثةٍ: صريعٌ وجريحٌ، واقتصرتَ عليهما، لم يجز بالجرِّ؛ لانَّك لم تَستوفِ العددَ، ويَجوز بالرَّفع، وتقديره: منهم صريعٌ، ومنهم جريحٌ، وإذا قلتَ: مررتُ بثلاثةٍ؛ صريع وجريح وسليم، جاز فيه الرَّفع والجرُّ، فإنْ زدتَ فيه: اقتَتَلوا، جاز فيه الرَّفعُ والجرُّ والنصبُ.
وقوله تعالى:{قَدْ كَانَ لَكُمْ} إنَّما لم يقل: كانت؛ لتقدُّم الفعل، ولأنَّ الآيةَ في معنى البيان والبرهان، ولأنَّ تأنيثَها غيرُ حقيقيٍّ، ومعناها: كان لكم أيُّها الكفار المغترُّون بالعَدَد والعُدَد علامةٌ على صِدْق دعوى محمَّدٍ الرسالةَ، وإخبارِه أنَّكم ستُغلَبون وتُحشَرون في طائفتين وفرقتين اجتمعتا للقتال ببدرٍ؛ إحداهما فئةٌ تُجاهِد في
(١) قرأ: (فئةً) بالنصب ابن أبي عبلة كما في "المختصر في الشواذ" لابن خالويه (ص: ٢٦). (٢) في (ف): "وهو". (٣) انظر: "المختصر في الشواذ" لابن خالويه (ص: ٢٦)، وزاد نسبتها لمجاهد. (٤) "به" لم يرد في (ف). (٥) انظر: "ديوان كثير عزَّة" (ص: ٩٩).