فإن قيل: قد بينا أن النبي ﵇ قال: "لا صلاة إلا بقراءة ولو بفاتحة الكتاب"(١).
قيل: هذا يحتمل أن يكون معناه: "وهي فاتحة الكتاب"، ويحتمل أن يكون معناه ما في الخبر الآخر الذي روي فيه:"بفاتحة الكتاب وشيء معها"(٢).
فقال هاهنا:"ولو بفاتحة الكتاب"(٣) وحدها، أي أن أدنى ما يكون من القراءة فاتحة الكتاب كالتقليل لذلك.
وعلى أن قوله:"لا صلاة إلا بقراءة"(٤)؛ لم يبيّن أي قراءة هي، وبيّنها؛ في أخبارنا أنها فاتحة الكتاب.
وهذا كقوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ (٥)، ولم يفرق بين سارق دون الربع من غير حرز وبين من سرق ربعًا من حرز، فبينها النبي ﵇، وأن المسروق إذا كان ربعًا من حرز؛ ففيه القطع دون غيره (٦)، وكذلك بيّن أن القراءة التي تصح بها الصلاة هي فاتحة الكتاب بفعله وأمره.
فإن قيل: فقد روى أبو العالية عن ابن عباس ﵁ أنه سئل عن القراءة
(١) أخرجه أبو داود (٨١٩) والبيهقي (٢/ ٣٧) وفيه جعفر بن ميمون ضعفه النسائي وابن معين وقال العقيلي: "في روايته عن أبي عثمان عن أبي هريرة في الفاتحة لا يتابع عليه". انظر تهذيب التهذيب (١/ ٥٧٩ - ٥٨٠) وأخرج مسلم (٣٩٦/ ٤٢) الشطر الأول منه. (٢) تقدم تخريجه (٤/ ٢٩٦). (٣) تقدم تخريجه آنفًا. (٤) تقدم تخريجه آنفًا. (٥) سورة المائدة، الآية (٣٨). (٦) أخرج مسلم (١٦٨٤/ ٤) من حديث عائشة قالت: "لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدًا".