وقوله:"ليس للحيطان ظل نستظل به" ليس نفيًا لأصل الظل، بل ينفي ظلًا يستظلون به، ولا يلزم من نفي الأخص نفيُ الأعم، مع أن أهل الحساب قالوا: إن عرض المدينة خمسة وعشرون درجة، فإذًا غايةُ الارتفاع تسعة وثمانون، فلا تسامت الشمس الرؤوس، وإذا لم تسامت الرؤوس، لم يكن ظل القائم تحته حقيقة، بل لا بد من ظل، فامتنع أن يكون المراد نفي أصل الظل، فيكون المراد ظلًا يكفي أبدانهم للاستظلال، ولا يلزم من ذلك وقوع الصلاة ولا شيء من خطبتها، ولو طالت القراءة فيها، قبل الزوال.
وقوله:"فنتتبع الفيءَ" إنما كان ذلك لشدة التبكير، وقصر حيطانهم، لكنه كان في يسير، وفي هذين الحديثين دليل على أن وقت الجمعة وقت للظهر لا يجوز إلا بعد الزوال، وبه قال مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، ولم يخالف في ذلك إلا أحمد وإسحاق، فقالا بجوازها قبل الزوال؛ تمسكًا بهذا الحديث؛ من حيث إنه تقع
(١) رواه البخاري (٣٩٣٥)، كتاب: المغازي، باب: غزوة الحديبية. (٢) رواه مسلم (٨٦٠)، كتاب: الجمعة، باب: صلاة الجمعة حين تزول الشمس.