الخطبتين سنة ليس بواجب ولا شرط، وفي دليل الاشتراط والفرضية من النظر ما ذكرنا، والله أعلم.
* * *
[الحديث الخامس]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ، يَوْمَ الجُمُعَةِ، والإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ لَغَوْتَ"(١).
قوله:"أنصت" معناه: اسكت، وقد ثبت في "صحيح مسلم" أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"مَنْ أتى الجمعةَ فاستمعَ وأنصتَ"(٢)، فجعلهما شيئين متمايزين، ولا شك أن الاستماع الإصغاءُ، والإنصات السكوتُ، ولهذا قال الله تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}[الأعراف: ٢٠٤]، يقال: أنصتَ ونَصَتَ وانتصت، ثلاث لغات حكاهن الأزهري في "شرح ألفاظ مختصر المزني"(٣).
وقوله:"فقد لغوت" يقال: لغا يلغو، ولغي يلغى، بالواو والياء في المضارع، وظاهر القرآن يقتضي لغة الياء في قوله تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ}[فصلت: ٢٦]، وقد لغوت ولغيت، وهما روايتان في "صحيح مسلم"(٤).
واللغو واللغي: رديء الكلام وكل ما لا خير فيه، وقد يطلق على الخيبة
(١) رواه البخاري (٨٩٢)، كتاب: الجمعة، باب: الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب، ومسلم (٨٥١)، كتاب: الجمعة، باب: في الإنصات يوم الجمعة في الخطبة. (٢) رواه مسلم (٨٥٧)، كتاب: الجمعة، باب: فضل من استمع وأنصت في الخطبة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. (٣) انظر: "الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي" للأزهري (ص: ١١٣). (٤) رواه مسلم (٨٥١)، (٢/ ٥٨٣)، كتاب: الجمعة، باب: في الإنصات يوم الجمعة في الخطبة. وفيه: قال أبو الزناد في "لغيت": هي لغة أبي هريرة، وإنما هو "فقد لغوت".