أما الخطبة -بضم الخاء-، فهي الكلام المؤلف المتضمن وعظًا وإبلاغًا، خطَب يخطُب -بضم الخاء- خِطابًا بكسر الخاء (١).
وفي هذا الحديث دليل على ثلاث مسائل في الخطبة:
الأولى: اشتراط الخطبتين لصحة الجمعة، وهو مذهب الشافعي والأكثرين، قال القاضي عياض: وإليه ذهب عامة العلماء، وقال الحسن البصري، وأهل الظاهر، وابن الماجشون عن مالك: إنها تصح بلا خطبة، وفي دليل اشتراطهما نظر؛ من حيث إنهم استدلوا عليه بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لهما مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلُّوا كما رأيتموني أُصلي"(٢)، وذلك يتوقف على أن تكون إقامة الخطبتين داخلًا تحت كيفية الصلاة، وإذا لم يكن كذلك، لم يبق الاستدلال عليه إلا بمجرد الفعل.
الثانية: اشتراط القيام فيهما، ولا يصح من القاعد، قال ابن عبد البر: إجماع العلماء على أن الخطبة لا تكون إلا قائمًا لمن أطاقه.
وقال أبو حنيفة: يصح قاعدًا، والقيام ليس بواجب.
وقال مالك: وهو واجب لو تركه أساء وصحت الجمعة.
والذي ذهب إليه الشافعي والأكثرون اشتراطه، وفي دليله من النظر ما ذكرنا في المسألة الأولى.
الثالثة: اشتراط الجلوس بينهما، وأنه فرض من فروضها، قال الطحاوي: لم يقل هذا غير الشافعي (٣)، وقال مالك، وأبو حنيفة، والجمهور: الجلوس بين
= (٢/ ٢٠٥)، و "الثقات" لابن حبان (٣/ ٥٢)، و "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (٢/ ٤٩٣)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (١/ ٢٢٤)، و"تاريخ بغداد" للخطيب (١/ ١٨٦)، و "تاريخ دمشق" لابن عساكر (١١/ ١٩٩)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (١/ ٤٨٨)، و "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (١/ ١٤٩)، و "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (١/ ٤٣١)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (٢/ ٣٥). (١) انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (٢/ ٤٥)، و"لسان العرب" لابن منظور (١/ ٣٦٠)، (مادة: خطب). (٢) تقدم تخريجه. (٣) انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (٦/ ١٥٠).