عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"اللَّهُمَّ ارْحَم المُحَلِّقِينَ" قَالُوا: يَا رسُولَ اللهِ! وَالمُقَصِّرِيَن، قالَ:"اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ"، قَالُوا: يَا رسُولَ اللهِ! وَالمُقَصِّرِينَ، قَالَ:"وَالمُقَصِّرِينَ"(١).
هذا الدعاء للمحلِّقين مكررًا، دون المقَصِّرين، قد وردت روايات في "صحيح مسلم" عن أمِّ الحُصَيْنِ - رضي الله عنها -: أنه كان في حجة الوداع (٢)، وروي في غيره: أنه كان يوم الحديبية من رواية ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قالت: حلق رجل يوم الحديبية، وقصر آخرون، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ" ثلاثًا، قيل: يا رسول الله! ما بالُ المُحَلِّقينَ ظاهرتَ لَهُمْ بالرحم؟ قال:"لأنهم لم يَشُكُّوا"(٣).
قال ابن عبد البر: وكونه في الحديبية هو المحفوظ (٤)، قال القاضي عياض -رحمه الله تعالى-: ولا يبعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله في الموضعين (٥).
وتكرير النبي - صلى الله عليه وسلم - الدعاء للمحلِّقين؛ لأنهم بادروا إلى امتثال الأمر، وأتمُّوا فعل ما أمروا به من الحلق. وقد صرح بهذا المعنى في بعض روايات الحديث المروية عن ابن عباس - رضي الله عنه - حيث قال:"لأنهم لم يشكوا".
واعلم: أن معنى فضيلة الحلق على التقصير؛ أنه أبلغ في العبادة، وأدلُّ على صدق النية في التذلل لله تعالى؛ لأن المقصِّر مبقٍ على نفسه الشعر الذي هو
(١) رواه البخاري (١٦٤٠)، كتاب: الحج، باب: الحلق والتقصير عند الإحلال، ومسلم (١٣٠١)، كتاب: الحج، باب: تفضيل الحلق على التقصير، وجواز التقصير. (٢) رواه مسلم (١٣٠٣)، كتاب: الحج، باب: تفضيل الحلق على التقصير، وجواز التقصير. (٣) رواه ابن ماجه (٣٠٤٥)، كتاب: المناسك، باب: الحلق، والإمام أحمد في "المسند" (١/ ٣٥٣)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (١٣٦١٨)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٢/ ٢٥٥)، وأبو يعلى في "مسنده" (٢٧١٨)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٥/ ٢١٥). (٤) انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (١٥/ ٢٣٣ - ٢٣٤). (٥) انظر: "شرح مسلم" للنووي (٩/ ٥١).