عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قالَ: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبرَين فقالَ:"إنَّهُما لَيُعَذبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُما، فَكَانَ لا يَسْتنَزِهُ مِنَ البَوْلِ، وأَمَّا الآخَرُ، فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ"، فأخذَ جريدةً رطبةً، فشقها نصفين، فغرزَ في كل قبر واحدةً، فقالوا: يا رسولَ الله! لم فعلتَ هذا؟ قالَ:"لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُما مَا لَمْ ييبَسَا"(١).
أما عبدُ اللهِ بنُ عباسِ بنِ عبدِ المطلبِ، ابنُ عمِّ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فكنيتُه: أبو العباس، وهو أحدُ العبادلة الأربعة كما تقدم ذكرُه في الحديث قبله، كانَ يُقالُ له: الحَبْرُ، والبَحْرُ، دعا له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بالحكمة والتَّفَقُّه في الدين وتعلم التأويل، فأخذ عنه الصحابة -رضي الله عنهم- ذلك.
وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: هو تَرْجُمانُ القرآن (٢)، ودَعا له -أيضًا- صلى الله عليه وسلم - فقال:"اللهُمَ بارِكْ فِيهِ وَانْشُرْ مِنْهُ، وَاجْعَلْهُ مِنْ عِبَادِكَ الصالحِينَ، اللهُمَّ زِدْهُ عِلْمًا وَفِقْها"(٣)، قال أبو عمر: كلها أحاديثُ صِحاحٌ، قال: وقال مجاهدٌ عن ابن عباس: رأيتُ جبريلَ - صلى الله عليه وسلم - مرتين، ودعا لي بالحكمة مرتين (٤).
وكان عمرُ بنُ الخطاب - رضي الله عنه - يحبه ويُدنيه ويقربه ويُشاوره، ويقول: هو فتى الكُهول، له لسانٌ سؤول، وقلبٌ عَقول (٥).
(١) رواه البخاري (٢١٣)، كتاب: الوضوء، باب: من الكبائر ألا يستتر من بوله، ومسلم (٢٩٢)، كتاب: الطهارة، باب: الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه. (٢) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (٢/ ٣٦٦)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٢٢٢٠)، والحاكم في "المستدرك" (٦٢٩١)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (١/ ١٧٤). (٣) ذكره بهذا السياق: ابن عبد البر في "الاستيعاب" (٣/ ٩٣٥). ورواه يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" (١/ ٢٨٤) بلفظ: "اللهم آته الحكمة أو قال: اللهم زده علمًا. (٤) رواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (٣٧٨)، والطبري في "تهذيب الآثار" (١/ ١٦٧)، والطبراني في "المعجم الكبير" (١٠٦١٥). (٥) رواه عبد الرزاق في "المصنف" (٨١٢٣)، والطبراني في "المعجم الكبير" (١٠٦٢٠)،=