الأمة متواترًا؛ فَمَنْ أنكرَ عذابَ القبر، أو نعيمَه، فهو كافرٌ؛ لأنه كذَّب الله تعالى، ورسولَه - صلى الله عليه وسلم -؛ في خبرهما.
ثمَّ إن في إضافة عذاب القبر إلى البول خصوصيةً، دون غيره من المعاصي؛ إن الله تعالى جعل ذلك في حقِّ بعض عباده؛ فإئه جاء في الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"تَنَزَّهُوا مِنَ البَوْلِ؛ فَإِن عَامَّةَ عَذَابِ القَبْرِ مِنْه"(١)، وجاء أن بعضهم ضمَّه القبر، أو ضغطه؛ فسئل أهله عنه، فذكروا: أنه كان منه تقصير في الطهور.
وأمَّا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وما يُعَذَّبانِ في كَبِيرٍ"؛ ففيه تأويلات:
أحدُهَا: ليس بكبير عندكم، وهو عند الله كبير، ومعناه: أنه كبير في الذنوب، وإن كان صغيرًا عندكم، يدل عليه ما ثبت في البخاري:"بَلَى إِنهُ كَبيرٌ"(٢)؛ أي: إنه كبير عند الله، مثل قوله تعالى:{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}[النور: ١٥].
وثانيها: لا شك أن النميمةَ من الدَّناءات المستحقَرة؛ بالإضافة إلى المروءَة، وكذلك التلبس بالنجاسة؛ لا يفعلها إلا حقيرُ الهمَّةِ، فلعل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وما يُعَذَّبانِ في كَبِيرٍ"؛ إشارة إلى حقارتهما، بالنسبة إلى الذنوب.
وثالثها: أنه ليس بأكبر الكبائر، وإِنْ كانَ كبيرًا.
ورابعها: أنه ليس كبيرًا، في زعمهما، دون غيرهما.
وخامسها: أنه ليس كبيرًا تركُه عليهما؛ إذِ التنزهُ من البول، وتركُ النَّميمة لا يشق.
وقوله:"أما أَحَدُهُما فَكانَ لا يَستَتِرُ مِنْ بَوْلهِ"، اختلف في معنى لا يستتر؛ على وجهين (٣):
(١) رواه الدارقطني في "سننه" (١/ ١٢٧)، ومن طريقة ابن الجوزي في "التحقيق في أحاديث الخلاف" (١/ ٣٢٥)، عن أنس - رضي الله عنه -. وفي الباب: عن ابن عباس، وأبي هريرة، وغيرهما. (٢) تقدم تخريجه عند البخاري قريبًا. (٣) في "ح": "قولين".