الجنة، ومعنى "بُورِكَ لَهُمَا في بَيْعِهِمَا"؛ أي: حصل النماء والزيادة.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَإنْ كَتَمَا وَكَذَبا، مُحِقَتْ برَكَةُ بَيْعِهِمَا"؛ أي: ذهبت بركته، وهي الزيادة والنماء، وقد روي مرفوعًا:"التاجرُ الصَّدوقُ معَ النَّبيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهَداء والصَّالحين"(١)، وقد تكلم العلماء على حقيقة الصدق وأقله ودرجاته، فحقيقته: السعي عن مطالعة النفس بحيث لا يحصل لها إعجاب بالعمل، وأقله ما قاله القشيري -رحمه الله تعالى-: استواء السر والعلانية (٢)، وقال سهل التستري - رحمه الله -. لا يشم رائحة الصدق، عبدٌ داهن نفسه أو غيره (٣)، ودرجاته غير منحصرة.
وبعد ذلك كلِّه: فالصادق مسؤول عن صدقه، قال الله تعالى:{لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ}[الأحزاب: ٨].
وفي الحديث دليل: على ثبوت خيار المجلس.
وفيه دليل: على وجوب الصدق في البيوع؛ بذكر مقدار أصل الثمن في الإخبار، وما في الثمن أو السلعة من عيب وغيره.
وفيه دليل: على تحريم الكذب في ذلك.
وفيه: الحث على تعاطي الصدق، وعلى منع تعاطي الكذب.
وفيه: أنَّ الصدق سبب البركة، والكذب سبب لمحقها.
وفيه دليل: على ذكر الصدق، وإن ضرَّ ظاهرًا، وعلى ترك الكذب، وإن زاد ظاهرًا؛ فإنه يضرُّ باطنًا وظاهرًا، والله أعلم.
* * *
(١) رواه الترمذي (١٢٠٩)، كتاب: البيوع، باب: ما جاء في التجَّار وتسمية النبي - صلى الله عليه وسلم - إياهم، وقال: حسن، والدارمي في "سننه" (٢٥٣٩)، والدارقطني في "سننه" (٣/ ٧)، والحاكم في "المستدرك" (٢١٤٣)، وغيرهم، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -. (٢) انظر: "الرسالة القشيرية" (ص: ٢١١). (٣) رواه السلمي في "آداب الصحبة" (ص: ٧٤).