ومنها: تحريم لحم الصيد على المحرم إذا صاده هو، أو كان له في اصطياده تعلق؛ من دلالة عليه أو إعانة، واتفق العلماء على تحريم الاصطياد عليه.
وقال الشافعي وآخرون: يحرم عليه تملك الصيد بالبيع والهبة ونحوهما؛ وفي ملكه إياه بالإرث خلاف، وأما ما اصطاده الحلال من غير إعانة المحرم: فجمهور العلماء على حل أكله للمحرم بالهدية، وهو قول الشافعي، ومالك، وأحمد، وداود، وقال أبو حنيفة: لا يحرم عليه لحم ما صيد له بغير إعانة منه، وقالت طائفة: لا يحل له لحم الصيد أصلًا، بل هو حرام عليه مطلقًا، وهو محكيٌّ عن علي، وابن عمر، وابن عباس -رضي الله عنهم-؛ لقوله تعالى:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}[المائدة: ٩٦].
قالوا: والمراد بالصيد: المَصيد؛ ولرد النبي - صلى الله عليه وسلم - لحم الصيد في حديث الصعب بن جثامة الآتي عليه، وعلله بأنه محرم، دون شيء آخر؛ من قصد له - صلى الله عليه وسلم - به، ولا غيره، وحديث أبي قتادة هذا يرد على هذا المذهب؛ حيث قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فكلوه"، وفي رواية في "صحيح مسلم": "هو حلال، فكلوه"، وفي "سنن" أبي داوود والترمذي والنسائي عن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه قال: "صَيْدُ البرِّ لكُمْ حَلاَلٌ ما لَمْ تصيدُوُه أو يُصادَ لكم"(١).
والرواية فيه: يصاد -بالألف-، والقاعدة حذفها، لكن إثباتها جائز في لغة، ومنه قول الشاعر (٢):
ألم يأتيك والأنباءُ تَنْمي
والجمع بين الأحاديث وتأليفها أولى من اختلافها، وإبطال بعضها، وهي
(١) رواه أبو داود (١٨٥١)، كتاب: المناسك، باب: لحم الصيد للمحرم، والنسائي (٢٨٢٧)، كتاب: مناسك الحج، باب: إذا أشار المحرم إلى الصيد فقتله الحلال، والترمذي (٨٤٦)، كتاب: الحج، باب: ما جاء في أكل الصيد للمحرم، والإمام أحمد في "المسند" (٣/ ٣٦٢). (٢) هو عمرو بن كثوم؛ كما في "ديوانه" (ص: ١٠٩).