وفي لفظٍ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "عَقْرَى حَلْقَى، أفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ؟ "، قيل: نَعَمْ، قال:"فَانْفِرِي"(١).
تقدم الكلام على عائشة وصفية. - رضي الله عنهما -.
وأَمَّا قولهُا:"فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ"؛ فمعناه إلى مكة لطواف الإفاضة.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "عَقْرَى حَلْقَى"؛ هذان اللفظان بفتح أولهما، وآخرهما ألف تأنيث مقصورة، وتكتب بالياء من غير تنوين، وهو رواية المحدثين جميعهم، ونقله جماعات من أئمة اللغة وغيرهم، وهو صحيح فصيح، وقال بعضهم: عقرًا حلقًا -بالتنوين-؛ لأنه موضع دعاء أشعر به، فأجرى مجراه بألفاظ المصادر، فإنها منونة، كقولهم: سقيًا ورعيًا وجدعًا، ومن رواه مقصورًا؛ أي: إن ألف التأنيث فيهما نعت، لا دعاء.
ومعنى عقرى: عقرها الله، وقيل: عقر قومَها، وقيل: جعلها عاقرًا لا تلد.
ومعنى حلقى: حلق شعرها، أو أَصَابها وجع في حَلْقها، وبمعنى: يحلق قومها شؤمها.
وهذا اللفظان لا يراد بهما أصل موضوعهما، بل كثر استعمالهما، فجريا على ألسنتهم من غير إرادة معناهما؛ كقولهم: تربت يداه، وقاتله الله ما أشجعه! وما أشعره! وأفلح وأبيه! إلى غير ذلك، والله أعلم (٢).
وفي هذا الحديث أحكام:
منها: أن طواف الإفاضة لا بد منه.
ومنها: فعله في يوم النحر، وهو السنَّة.
ومنها: إباحة الجماع للأهل بعد الإتيان بأسباب التحلل في الحجِّ.
(١) رواه البخاري (١٦٨٢)، كتاب: الحج، باب: الإدلاج من المحصّب، ومسلم (١٢١١)، كتاب: الحج، باب: وجوب طواف الوداع، وسقوطه عن الحائض. (٢) انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (٢/ ٩٤)، و"مشارق الأنوار" للقاضي عياض (١/ ١٩٧)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (١/ ٤٢٨)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (٣/ ٢١٢)، و"شرح مسلم" له أيضًا (٨/ ١٥٣).