كساء من وبر الإبل، وهي تطحن بيديها، وترضع ولدها، فدمعَتْ عينا رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمَّا أبصرها، فقال:"يا ابنتاه، تحمَّلي مرارة الدُّنيا لحلاوة الآخرة، فقد أنزل اللَّه تعالى:{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} "(١).
{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى}: استفهام بمعنى التَّقرير؛ أي: قد وجدَكَ؛ أي: علِمَكَ ورآك.
يبيِّن أنَّه قد تولَّاه وكفاه، وكلَّ خير أعطاه، من مبتدأ أمرِه إلى منتهاه، فكيف يكون وَدَعَه وقلاه؟
وكان يتمُهُ: أنَّ أباه عبد اللَّه بن عبد المطَّلب توفِّي ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بطن أمِّه، وماتَتْ أمُّه وهو رضيع، ومات عبد المطَّلب جدُّه وهو صبيّ، فآواه اللَّه تعالى بأبي طالب، وكان يَبرُّه ويحسنُ إليه إلى أن أوحى اللَّه إليه، وكان ينصرُه ويذبُّ عنه.
ولا يجوز أن يُفْهَم من هذه اللَّفظة عدولٌ عن حقٍّ، ووقوع في غيٍّ، وقد كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من أوَّل حاله إلى نزول الوحي إليه معصومًا عمَّا يفعله المشركون من عبادة الأوثان، وقاذورات أهل الفسق والعصيان.
(١) ذكره عن الصادق الثعلبي في "تفسيره" (١٠/ ٢٢٥). ورواه العسكري في "المواعظ" وابن مردويه وابن لال وابن النجار عن جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما، كما في "الدر المنثور" للسيوطي (٨/ ٥٤٣). وسنده ضعيف كما قال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" (ص: ١٥٨٩).