وهم يهود بني قريظة {مِنْ صَيَاصِيهِمْ}؛ أي: حصونهم، جمع صِيْصِيَةٍ، والصِّيصِيَةُ قرنُ البقرة وشوكةُ الديك وشوكةُ الحائك؛ قال الشاعر:
كوقعِ الصَّياصي في النسيجِ الممدَّد (١)
وكانوا ذمةً لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنقضوا العهد باستدعاء أبي سفيان، وجاؤوا لمحاربة المسلمين، فلما فرغ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من أمر قريش ودخل الحجرة ووضع السلاح سمع وَجْبةً على باب الحجرة، فنظر فإذا هو بجبريل عليه السلام على فرسٍ أبلقَ وعلى ثيابه أثرُ النَّقْع، فقال: يا رسول اللَّه، وضعتَ السلاح ونحن ما وضعنا أسلحتنا بعدُ، فقالت عائشة رضي اللَّه عنها: فكأني انظر إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يمسح الغبار عن وجه جبريل، فقلت: يا رسول اللَّه! هذا دحيةُ الكلبي؟ فقال:"هذا جبريل"، فقال: إن اللَّه يأمرك ألا تصلِّي العصر إلا ببني قريظةَ، فنادى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك في المسلمين، فخرجوا إليهم (٢) ولحق بهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وحاصرهم أحدًا وعشرين يومًا، ثم نزلوا على حكم سعد بن معاذ، فحكم بأن تُقتل مقاتلتُهم وتُسبى ذراريهم ونساؤهم وتغنم أموالهم، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لقد حكمتَ بحكم اللَّه تعالى فيهم" وفعل ذلك، ومَنَّ اللَّه على المسلمين بذلك فقال:{وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ}(٣).
(١) عجز بيت لدريد بن الصمة، وهو في "ديوانه" (ص: ٤٨)، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة (٢/ ١٣٦)، وصدره في الديوان: فجئت إليه والرماح تنوشه وفي "المجاز": فما راعني إلا الرماح تنوشه (٢) في (أ): "إليه" وليست في (ر). (٣) تنظر القصة بنحو هذا السياق في "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٣٣)، و"تفسير الطبري" =