وقال أنس: كان أصحاب النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يعملون من النهار فإذا جنَّهم الليل قاموا (١) بين المغرب والعشاء حتى صلَّوا العشاء الآخرة، فأَحيوا ما بينهما بالصلاة (٢).
وقوله تعالى:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}: أخفَوا أعمالهم فأخفَى اللَّه جزاءهم، يقول: لا يعلم أحد كُنْهَ ما يعطي اللَّه هؤلاء المؤمنين في الجنة من الثواب الذي تَقَرُّ به أعينهم مما أخفاه اللَّه عنهم.
وقيل: هو وعد الرؤية، فإن عين المؤمن لا تَقَرُّ إلا برؤية اللَّه.
(١) في (أ) و (ف): "اضجعوا". وانظر التعليق الآتي. (٢) رواه أبو داود (١٣٢١) و (١٣٢٢)، والطبري في "تفسيره" (١٨/ ٦١٠)، ولفظ الطبري: (عن أنس رضي اللَّه عنه: أن هذه الآية نزلت في رجال من أصحاب النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، كانوا يصلون فيما بين المغرب والعشاء {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}. لكن ذكر الماتريدي في "تأويلات أهل السنة" (٨/ ٣٣٧) عن أنس روايتين فقال: روي عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنها نزلت في أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، لكن اختلفت عنه الروايات: ذكر في بعضها: أنها نزلت في نفر من عمال أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كانوا يعملون النهار، فإذا جن عليهم الليل اضطجعوا بين المغرب والعشاء فناموا، فلما نزل هذا اجتنبوا عن ذلك. وذكر عنه: أنهم كانوا يصلون بين المغرب والعشاء؛ فنزلت الآية فيهم. فإن كان هذا فنزول الآية لذلك يخرج مخرج المدح لهم والثناء الحسن، وإن كان الأول فهو على النهي والتوبيخ لذلك. قلت: وقد صح عن النبيِّ عليه السلام تفسيرها بقيام العبد من الليل. رواه الترمذي (٢٦١٦) وصححه، والنسائي في "الكبرى" (١١٣٣٠)، وابن ماجه (٣٩٧٣)، والطبري في "تفسيره" (١٨/ ٦١٤)، من حديث معاذ رضي اللَّه عنه.