وقيل (١): {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}؛ أي: لتبقى هكذا قليلَ الأصحاب كثيرَ الأعداء، بل ننصرُك، ونقهر أعداءَك، ونُكثر غنائم أصحابك، ونُحْسِن عاقبةَ الكل، ولذلك وصل بهذا قصةَ موسى عليه السلام: أنه قاسى من فرعون وقومه ما قاسى، ثم كانت له ولقومه النصرةُ والغلبة والفرج والسعادة الكبرى.
وقيل: هذا من الاختصار العجيب (٢) وجوامع الكلم التي أُوتيَها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنه إذا قال:{لِتَشْقَى} -فنفى أن يكون إنزال القرآن عليه للشقاوة- فقد بيَّن أنه كان للسعادة، وهي جامعة لكل مراد، فكأنه قال: أنزلناه عليك لنُسعدك بكلِّ ما تريده وتَرُومُه في الدنيا والآخرة.
* * *
(٣) - {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى}.
وقوله تعالى:{إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى}: أي: ما أنزلناه إلا ليتَّعظ مَن يخشى عقاب اللَّه، فيُقبلَ على اللَّه ويؤمنَ به ويؤدِّيَ ما يلزمه له، وخصَّ الخاشي بذلك وإن كان الإنذار للكلِّ لأنه هو المنتفِع به، وهو كقوله تعالى:{فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}[ق: ٤٥]، وقوله تعالى:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا}[النازعات: ٤٥]، وقوله:{إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ}[يس: ١١].
وقيل: معناه: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}؛ أي: لتدوم في العبادة فلا تتفرَّغَ للتبليغ والتذكير، بل أنزلناه لتعمل به (٣) على وجهٍ لا يمنعك من التبليغ، وعلى هذا
(١) في (ر) و (ف): "ويحتمل". (٢) في (ر) و (ف): "اختصار العجب". (٣) في (ف): "لتدل به"، وفي (ر): "على وجه لتدل به".